في كل حين وآخر، أجد تذمرًا ممن أعرفهم من الطلاب المصريين الذين عادوا مؤخرًا من الخارج، يقارنون بين الدراسة هنا وهناك. حنين العودة ودفء وجودهم بين عوائلهم الكبيرة، لم تمنع تعبيرهم عن "غربة" يشعرون بها داخل مدارسهم، لا يشكون فقط اختلاف المناهج الدراسية بل أيضًا "النظام" الذي تُدار به المدارس نفسها.
في هذا التقرير أتحدث مع طلاب عائدين من ثلاث دول؛ السعودية والإمارات والكويت. لكلًا منهم أسبابه التي يعتبر أنها أسباب ما يسمونها "غربة" وإن كانوا في وطنهم الأم.
عادت سمية عصام، الطالبة بكلية الآداب جامعة سوهاج، من السعودية إلى مصر وهي بالصف الثاني الثانوي مع عائلتها التي قررت الاستقرار هنا وإنهاء غربتهم. لم تلبث أن اصطدمت سعادة سمية بالمناهج الدراسية في مدرستها الجديدة. “ليست مختلفة في المضمون، ولكن المنهج هنا أكبر مما ندرسه في السعودية، والأزمة هنا هو أنه لا يتناسب مع الوقت المخصص له".
تقول سمية لـ”أهل سوهاج”: “كان صعبًا عليّ استيعابه، بسبب كمية المعلومات الكثيرة التي يتضمنها، ووجدت أن كل وقتي يذهب إلى المذاكرة حتى أستطيع اللحاق بالمنهج".
انخفاض المنهج الدراسي المفروض على سمية دراسته في الخارج كان يمنح الطلاب الفرصة لممارسة أنشطة مختلفة مثل المواد الفنية والأنشطة مثل تعلّم الرسم، الاقتصاد المنزلي والحاسب الآلي والمواد الشرعية، بينما تراكم المناهج هنا – على حد قولها – يحبس الطلاب طوال الوقت في الاستذكار فقط، في ظل غياب الأنشطة من الأساس.تتحدث سمية أيضًا عن اختلاف نظام الدراسة عمومًا، تقول أن التقييم الشهري للطالب في مدرستها بالسعودية كان يساعدهم على معرفة نقاط ضعفهم، والاستذكار جيدًا في الشهر الذي يليه، مشيرة إلى أن الطالب هناك لا يحصل على دروس خصوصية، لأن المدرسة تشرح المنهج تفصيليًا، بينما أضطرت هنا الحصول على دروس خصوصية في مصر، وهو ما أثر على الوقت المخصص للعائلة والأصدقاء، فضلًا عن اعتيادها مثلًا على حضور والديها، لاجتماع مجلس أولياء الأمور، حتى يكونا على دراية بمستواها الدراسي، بالإضافة إلى التعرف على معلّمي المدرسة جيدًا، هذا بجانب وجود أخصائي اجتماعي، دوره فعالًا في مساعدة الطلبة على حل مشكلاتهم الدراسية والشخصية.
تضيف سمية: “لم يساعدني الأخصائي الاجتماعي في مدرستي المصرية على تقبّل وفهم النظام الدراسي الجديد، فلم أجد أي شخص داخل المدرسة لأشكو إليه مخاوفي، مما جعلها تزداد، ولم أعلم كيف أتعامل مع الوضع".
يعلق أخيها، محمد، الطالب بالصف الثالث الثانوي، أن الدراسة باتت تمثل له ضغط نفسي شديد، يلهث طوال الوقت بين الدروس والمذاكرة، دون مساعدة واضحة في كيفية إدارة وقته، يضيف: “ الضغط هنا يُفقد الطالب ثقته بنفسه، حتى لو كان مجتهدًا".
“لا يوجد متنفس"، يشكو محمد، موضحًا أن مدرسته لا توفر له أي أنشطة أو مجالات للترفيه كي تساعده على تقليل ضغط الدراسة. اعتاد محمد في مدرسته أن تكون مجهزة بأماكن ترفيهية مجّانية.
تتحدث سمية ومحمد وباقي الطلاب في هذا التقرير عن جانبهم هم من عقد المقارنات بين مدارسهم هنا وفي الخارج، يقولوا أنها مطالب تحسّن من العملية الدراسية للطلاب وتحببهم في التعلم، حتى لا يصلوا إلى ما تعبر عنه رؤى علي، الطالبة بكلية الزراعة جامعة سوهاج، التي استقرت أسرتها هنا أيضًا بعد سنوات من العمل في الخارج، أنها فقدت الرغبة في "الاستمرارية والسعي" في التعلم، بسبب أنها لا تشعر أن هناك اهتمام أصلًا بالطالب، على حد قولها.
وفقًا للأرقام الرسمية، تقل الميزانية المخصصة لقطاع التعليم في مصر من إجمالي الإنفاق العام عن الميزانيات المخصصة في دول عربية أخرى.
على سبيل المثال؛ وفقًا للاحصائيات المنشورة على البنك الدولي، كان نصيب قطاع التعليم في 2020 في الميزانية المصرية 2.50%، بينما بلغ 7.80% في الميزانية السعودية، و3.90% في الإمارات العربية المتحدة، و6.60% في الكويت.
وتنعكس الميزانية المنخفضة في مصر بالضرورة على نسبة الإنفاق على العملية التعليمية والمدارس، خصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار ارتفاع معدل الطلاب المصريين عن نظرائهم في هذه الدول، وخصوصًا المنتسبين إلى المدارس الحكومية، والذي ينعكس في عدم انتظام المدرسين في الشرح داخل المدارس وغياب الأنشطة الترفيهية أو تأهيل المدارس بها وانخفاض الاهتمام بالنظافة وارتفاع أعداد الطلاب داخل الفصل مما يؤثر على المتابعة الشخصية له سواء على المستوى الدراسي أو النفسي.
تقول رؤى ناصر، أن مدرستها في الإمارات مثلًا كانت توفر لهم المذكرات السنوية للمناهج مجانًا شاملة لكل ما جاء في المنهج خلال مدة الدراسة، مما يساعد الطلبة على الاستذكار جيدًا للامتحانات، وأن المدارس كانت تتابع شرح المعلمين للمهنج، حتى وإن اضطر المعلم للشرح لوقت إضافي، حتى يُنهي المنهج كاملًا، موضحة أن هذا كان له تأثيرًا إيجابيًا على نفسية الطلاب.
تنتقد رؤى أن المدرسين هنا قد لا يذهبوا إلى المدارس من الأساس وأن الطلاب باتوا يعتمدون على الدروس الخصوصية، وكلًا من الجانبين – المدرسين والوزارة- يشكو الآخر بعدم الالتزام، بينما من يدفع الثمن هو الطالب وأسرته.
بينما تعلق رحمة أشرف، الطالبة بالصف الثالث الثانوي، على تطبيق الجوانب العلمية في المناهج، فتقول أنها حينما درست في الكويت، كان لديها الفرصة في إجراء التجارب عمليًا، مما يكسبها المتعة والاستيعاب، فضلًا عن ممارسة الرياضة والفنون مما كان يجعل المدرسة مكانًا محببًا لها لأنه لا يعتمد على تلقين المواد. كما تشير إلى تكرار حوادث تعنيف الطلاب أمامها، تقول: “لم أتعرض للضرب، ولكن مجرد رؤية الأمر بلا عقاب للمدرس يثير الخوف والحزن بداخلنا".
ومثل باقي الطلاب، تتحدث رحمة عن امكانيات كانت مدارسها في الخارج توفرها لهم من وجبات غذائية "متنوعة العناصر الغذائية"، ومن معامل مجهزة، وتجارب علمية يطبقونها، وهكذا.
يتحدث الطلاب ممن قابلتهم بأمور يرون أنها من المفترض أن تكون أساسية في المدارس، وإن كانت متوفرة هنا في المدارس الخاصة، إلا أن توافرها في المدارس الحكومية يقل للغاية خصوصًا في المناطق ذات الكثافة السكانية.