عندما تتحول القوة إلى عبء 

كتب/ت رحمة أشرف
2025-04-13 12:41:44

في السنوات الأخيرة، أصبح مصطلح "المرأة القوية المستقلة" أو Strong Independent Woman عنوانًا لافتًا تُطلقه النساء بفخر أحيانًا، وبإنهاك في أحيان كثيرة، وبين التمجيد والتعب، يبرز سؤال جوهري: هل يعكس هذا المفهوم تمكينًا حقيقيًا للمرأة، أم أنه بات عبئًا نفسيًا واجتماعيًا يخنقها تحت وطأة التوقعات؟.

نشأ هذا التعبير من قلب الحركات النسوية، كصرخة تحرّر من التبعية، ورمزٍ لقدرة المرأة على اتخاذ القرار والعمل وتحقيق الذات، لكنه، مع مرور الوقت، انحرف عن هدفه، وتحول إلى معيار قاسٍ لقياس "نجاح" النساء. 

باتت المرأة مطالبة بأن تكون مستقلة ماليًا، متفوقة مهنيًا، وقادرة على إدارة كل شيء دون شكوى، أما من لا تواكب هذا النموذج، تُتهم ضمنيًا بالضعف أو الفشل.

والمفارقة المؤلمة أن التعبير عن الإرهاق أو طلب المساعدة قد يُفسّر كعلامة ضعف، مما يدفع الكثيرات إلى ارتداء قناع القوة طوال الوقت، حتى في أشد لحظات الانهيار.

في الواقع، هناك نساء كثيرات ينهرن في صمت، فقط ليُحافظن على صورة "المرأة القوية". صديقتي إحداهن، على سبيل المثال، تعمل لأكثر من 12 ساعة يوميًا، وهي متزوجة، وتتابع دراستها الجامعية في تخصّص جديد أملاً في تحقيق طموحها، ورغم التعب والبكاء، ترفض التراجع، وتقول: "هل أُصبح فاشلة؟".

صديقة أخرى، عملت في أحد البنوك لسنوات طويلة، وحققت نجاحًا لافتًا، لكنها قررت الانسحاب بعدما شعرت أن حياتها على وشك الانهيار من ضغط المهام والمسؤوليات، ومع أن قرارها كان نابعًا من احترام ذاتها، فإنها لم تسلم من نظرات الاتهام والاستسلام.

قصص كهذه، وغيرها كثير، تضعنا أمام حقيقة مُرّة: أن هذا المصطلح، الذي بدأ بدعوة إلى التحرّر، وربما أصبح اليوم سجنًا جديدًا للنساء، يخنقهن بمعايير مثالية متصلبة لا تعترف بإنسانيتهن.

وأظهرت دراسات حديثة، نُشرت في Psychology of Women Quarterly، أن النساء اللواتي يشعرن بأن عليهن إثبات قوتهن بشكل دائم، أكثر عرضة للقلق، والاكتئاب، والاحتراق النفسي. السبب؟ لأن المجتمع يفهم "القوة" بشكل سطحي، يجرّدها من أي مرونة أو رحمة.

لهذا، حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم "المرأة القوية المستقلة"، وليس المطلوب نسف المصطلح، بل إعادة تعريفه بما يتوافق مع الواقع الإنساني، وبما يمنح النساء مساحة للتنفس، والخطأ، والراحة، والتوازن.