أطباق من البركة.. "صوت السلام" داخل مطابخ مولد السيدة زينب

تصوير: مريم أشرف وتسبيح السيد - إعداد الطعام في مولد السيدة

كتب/ت مريم أشرف - تسبيح السيد محمود
2025-01-28 13:04:00

تتداخل الأصوات بين المدد والدعاء والتكبير في مشهد مفعم بالروحانية، تنبعث من كل زاوية حول مسجد السيدة زينب بالقاهرة، وتتلاقى الوجوه المشبعة بالطمأنينة. هنا، في ساحة المولد، يمتد ذراع حسن، الرجل السبعيني، ليغرف الفول "النابت" في وعاء كبير، يساعده ابنه عبدالمنعم في تحضير أطباق الرز باللبن التي تُوضع على الصواني وتطوف حول الزوار في ليلة المولد.

من محافظة أسيوط إلى ساحة مسجد السيدة زينب، يقف حسن وابنه لتحضر الطعام للمريدين الذين يأتون من كل المحافظات، للالتقاء في المولد  كل عام. بينما ينشغل الزوار بالدعاء والتكبير يكون عبدالمنعم وحسن داخل مطبخ بيت الخدمة لتحضير الطعام وتوزيعه، وهي العادة التي داوموا عليها سنوات طويلة.

"صوت السلام" تقدم رحلة عن إعداد طعام المولد المُقدم للمريدين من داخل المطابخ، إذ يعتبر بيت التكية والخدمة، أشهر مطابخ مولد السيدة زينب، الذي يحتفل به المصريين تلك الأيام.

حسن وعبدالمنعم.. سنوات من إطعام المريدين 

من الطريق الزراعي بأسيوط، يحجز حسن ميكروباص له ولوالده؛ كي يحمل داخله كميات الطعام التي سيجهزها في المولد، يغادران أسيوط في رحلة طويلة إلى العاصمة تحمل الأمل والبركة، وكلما اقترب مسجد السيدة يسمعان الزغاريد وترتفع الحناجر بكلمات "مدد يا أم هاشم".

يقول حسن: "اعتدت المشاركة في تقديم الطعام في مولد السيدة زينب منذ أن كنت صغيرًا برفقة والدي، رأيته وهو يجهز العيش الشمسي والفول النابت، بعدما يمده أهل القرية بكميات من الفول والرز للمشاركة في الإطعام، وكأنهم يطلبون منه إرسال مشاعر الشوق للست".

يختار والد حسن الساحة الواسعة للمسجد مكانًا لتوزيع الطعام في ليلة المولد، يفرشون عدتهم على الأرض طوال أسبوع المولد، يوزعون الطعام والشراب، وبأيديهم تتنقل الأطباق المليئة بالأرز باللبن والشاي الساخن، كرمًا وحبًا للمريدين والزوار الذين جاءوا من كل حدب وصوب.

يقول والده: "حسن كان يأتي معي منذ الصغر، لكن الآن أنا من آتي معه، إذ سلمته خدمة الإطعام التي يجتمع عليها المحبين، نحن في القرى نعتبر أن مولد السيدة زينب بمثابة عيد".

مطبخ تكية الست

"اتنصب الفرح والقلب انشرح نور النبي طرح الخير في أرضنا"، يدندن حسن هذه الأنشودة بروحٍ مليئة بالفرح، وهو يرى نفسه جزءًا من هذا الحدث. لكنه ليس الوحيد الذي يتطوع في خدمة إطعام المريدين بمولد "الست". 

في القاهرة، يغلق أحمد فرحات، من أبناء العاصمة، ورشته طوال أسبوع المولد، ليتطوع في مطبخ بيت تكية السيدة زينب أكبر مطابخ مولد "الست" هو وزوجته.

فرحات، هو المسؤول عن تقديم الثلاث وجبات اليومية للمريدين، ويتحمل عبء تحضير الطعام طوال أيام المولد، بجانب الحلوى المفضلة وهي الأرز باللبن، وبراد الشاي الذي لا يتوقف عن الغليان. 

بدأ فرحات رحلته مع طهو الطعام في مولد السيدة منذ خمس سنوات، حين اكتشف موهبته في الطبخ أثناء عمله في خدمة الزوار، بينما الآن يتقن إعداد الأطباق التي تغذي قلوب المريدين قبل أجسادهم.

يبدأ فرحات يومه منذ الساعة التاسعة صباحًا، ويستمر حتى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، ليقدم وجبة العشاء للمريدين الذين يلتفون حول موائده في انتظار الطعام الشهي. 

يقول: "في الليلة الكبيرة، يكون المحشي هو الوجبة الرئيسية، فهو جزء من الطقوس الخاصة التي تمتد حتى فجر اليوم التالي، إلى جانب أطباق أخرى، لكن الكشري والعدس هما الأكثر طلبًا من الزوار".

الكشري والعدس

تطبخ زوجة فرحات تلك الأصناف بكثرة خلال أيام المولد، رغم أن تكية بيت السيدة تعمل في إعداد الطعام طوال العام: "تقديم الطعام للمريدين في ليالي المولد له مذاق خاص، حيث تبدأ التحضيرات مبكرًا قبل المولد بأسبوعين، ونشتري كل المنتجات وأقوم أنا بتحضير وجبتي الكشري والعدس".

بجوار فرحات وزوجته، هناك 15 متطوعًا في بيت تكية السيدة، يعملون على مدار أسبوع المولد في توزيع الطعام بين الطاولات والمطبخ، وينضم لهم بعض الجيران ومحبي الخدمة.

تضيف زوجة فرحات: "الكل هنا يشارك بحب في تجهيز الطعام أو شراء المستلزمات". هكذا، تتكاتف الجهود وتتشابك الأيادي في مشهد من التعاون والتضامن، لتقديم أفضل خدمة للزوار الذين يأتون من كل مكان للاحتفال بهذه المناسبة المباركة.

المحلات تتحول إلى مطابخ

إذا ابتعدت قليلًا عن ساحة المسجد، حيث تمتد صفوف المحلات تجد أن المكان تحول في ليلة المولد إلى مطابخ مفتوحة لإعداد الطعام، من بينهم محل شفيق أحمد، المتخصص في المشويات، الذي يغير وجهة عمله في الليلة الكبيرة.

في هذه الليلة، يحول شفيق مطعمه إلى مركز لخدمة إطعام الزوار، إذ بدأ في هذه العادة منذ خمس سنوات، يقول: "في البداية كنت أوزع الأرز باللبن فقط، لكن مع مرور الوقت يقدم المحل وجبات كاملة من المشويات للزوار".

قبل يوم من الليلة الكبيرة، يبدأ شفيق في تجهيز الطعام، ثم في صباح المولد يبدأ مع العاملين في المطعم وأهل الشارع في توزيع الوجبات: "يشاركني متطوعون حبًا في المناسبة السنوية وشوقًا وتقديرًا لآل البيت".

كذلك يساعد إسلام العوضي، 30 عامًا، أحد المشاركين في تقديم خدمة الإطعام في مولد السيدة، جاره صاحب محل الأدوات الكهربائية في تحويل محله إلى مطبخ كبير في ليالي المولد.

يبدأ إسلام يومه مع صلاة المغرب، ليعد وجبة الغداء التي تحتوي على أرز وكفتة من صنع يده، بالإضافة إلى تمّيزه في تقديم القهوة العربي والشربات بدلًا من الشاي المعتاد، ليضيف طعمًا خاصًا لهذا اليوم المبارك.

يترك العوضي عمله طوال أسبوع المولد، ليكون برفقة أصدقائه وجيرانه في تحضير الطعام: "أصوات دعوات المريدين بعد تقديم الطعام لهم أشعر أنها تطبطب على قلبي، وأنسى بها المجهود الذي نبذله في التحضير".

نسمع على الجانب الآخر صوت طقطقة الملاعق في الأطباق، مختلطًا بأصوات التكبير والمدد، وتتناثر روائح الطعام من الصواني، بينما أناشيد المدح مستمرة بين كل لقمة وأخرى: "يا ناس ياللي هنا في فرح عندنا.. زينب بنت النبي نورت حينا".

تصوير: مريم أشرف وتسبيح السيد - إعداد الطعام في مولد السيدة