خارج الرقمنة.. دار السلام بلا ماكينات سحب و"إنستا باي" يزيد المعاناة

تصوير: مريم أشرف - ماكينات السحب في محطة مترو دار السلام

كتب/ت مريم أشرف
2025-04-13 11:55:00

كان عبدالمنعم محمود، 44 عامًا، يسابق الزمن في عيد الفطر المبارك، كي يدبر مبلغًا من المال يقدمه عيدية لأبنائه وأقاربه. انطلق في رحلة البحث عن ماكينة سحب نقدي من شارع أبو النصر في حي دار السلام بالقاهرة، مرورًا من شارع الفتح وصولًا إلى محطة مترو دار السلام، قطع مسافة تقارب كيلومتر سيرًا على الأقدام، ولكنه لم يكن يعلم أن أمامه تحديًا أكبر من مجرد المسافة.

يقول: "ماكينات السحب قليلة في دار السلام وكانت مزدحمة والضغط عليها شديد، ومرّ أكثر من ساعة ونصف دون أن أحصل على المبلغ الذي أحتاجه". قرر عبدالمنعم أن يحوّل الأموال عبر تطبيق "إنستا باي"، ولكنه صدم عندما اكتشف أن النظام أصبح يفرض عليه رسومًا إضافية منذ 1 أبريل.

"إنستا باي" بين التسهيل والتكلفة

يعاني سكان حي دار السلام، الذي يضم نحو 567 ألفًا و517 نسمة، من نقص حاد في ماكينات السحب النقدي، وأصبح الحصول على النقد أمرًا شاقًا بسبب وجود 8 ماكينات فقط في شوارع حلوان الزراعي والمطبعة دون شوارع الحي الأخرى.

وللتغلب على هذه المشكلة، بدأ أصحاب المحال التجارية في توفير خدمة التحويل عبر "إنستا باي"، لكنهم واجهوا صعوبات كبيرة بعد فرض رسوم على هذه الخدمة، مما زاد من معاناة الأهالي. 

ومع التوجه الحكومي نحو الرقمنة بما في ذلك أنظمة الدفع، يجد سكان الحي أنفسهم بين مطرقة نقص ماكينات السحب وسندان الرسوم على التطبيقات، في تحدٍ مستمر لتلبية احتياجاتهم المالية اليومية.

اضطر محمود إلى دفع 30 جنيهًا كرسوم، شملت تكلفة التحويل عبر تطبيق "إنستا باي" مقابل سحب مبلغ 2000 جنيه لتوزيع العيدية، في غياب البدائل المجانية والمتاحة بسهولة في الحي: "أشعر أن الحي بلا ماكينات سحب حقيقية".

في 26 مارس الماضي، أعلنت "إنستا باي" شبكة مدفوعات لحظية، عن تطبيق هيكل رسوم جديد لخدماتها بدءًا من 1 أبريل، وذلك لأول مرة منذ إطلاق التطبيق في عام 2022.

وبحسب بيان رسمي، تُحتسب رسوم التحويل بنسبة 0.1% من قيمة المعاملة، على أن تكون هناك رسوم حد أدنى قدره 50 قرشًا وحد أقصى 20 جنيهًا لكل عملية تحويل.

سجل التطبيق نموًا ملحوظًا، حيث تجاوز عدد مستخدميه 12 مليون عميل بنهاية 2024، مدفوعًا بزيادة الإقبال على الحلول المالية الرقمية وتوسع ثقافة الدفع الإلكتروني.

 رقمنة عديمة الجدوى

تقطع إسراء جمال، ثلاثينية، شهريًا مسافة من دار السلام إلى ميدان دجلة في منطقة المعادي لسحب راتبها، حتى تجد ماكينة سحب تحتوي على نقدية.

تقول إسراء: "أتقاضى راتبي من البنك، وطوال السنوات الماضية منذ العام 2020 لم يضاف لحي دار السلام سوى ماكينتي سحب، وحين فكرت اللجوء إلى تطبيق إنستاباي والحصول على الراتب منه فُرض عليه رسوم جديدة".

يوضح الخبير المصرفي طارق متولي، أن الأزمة ليست في رسوم "إنستاباي" الجديدة ولكن في الأحياء التي تفتقد لوجود ماكينات سحب كافية: "تحولت الخدمات المصرفية والبنكية إلى خدمات أساسية في ظل التوجه الرقمي والاقتصادي العالمي، هذه الخدمات لها تأثير مباشر على التحسن المعيشي، من خلال خدمات القروض ودفع الأقساط، وبالتالي فإن ماكينات السحب تظل أمرًا حيويًا لجميع الأحياء والقرى".

يؤيده الحسين حسان، استشاري التنمية المحلية والتطوير الحضاري، إذ يرجع أزمة نقص ماكينات السحب إلى ضعف البنية التحتية في الأحياء عمومًا، مشيرًا إلى أن شبكات الاتصالات في مناطق مثل دار السلام لا تستطيع تحمل الضغط الذي تسببه أنظمة الماكينات: "هذه المشكلة تتكرر في العديد من أحياء القاهرة وعدد كبير من قرى مصر، رغم التوجه العالمي نحو الرقمنة".

ويحلل حسان في حديثه مع "صوت السلام" أن هذه الأزمة تؤدي إلى ضغط إضافي على فروع البنوك وماكينات السحب في الأحياء الأخرى، وبذلك، تصبح خطة الرقمنة عديمة الجدوى، حيث لا يستخدم حاملو بطاقات الائتمان خدمات الدفع الرقمية، ما يؤدي إلى استمرار الزحام في البنوك ومكاتب البريد. 

المحال بديل ماكينات السحب

انطلق تطبيق "إنستا باي" في مارس 2022 من قبل البنك المركزي المصري، بهدف تسهيل تحويل واستقبال الأموال رقميًا على مدار الساعة من خلال الحسابات البنكية والمحافظ الذكية، وتقديم هذه الخدمة خارج الإطار البنكي التقليدي. 

وفي حي دار السلام، قام عدد من محال الإلكترونيات خلال السنوات الماضية، بتوفير خدمة الإيداع والسحب عبر تحويل المبالغ من تطبيق "إنستا باي"، لسد فجوة نقص ماكينات السحب في المنطقة.

يوضح ماجد عماد، صاحب محل هواتف وخدمات "إنستا باي" في دار السلام، أنه أتاح تلك الخدمة في محله؛ نتيجة نقص ماكينات السحب في الحي، وعدم قدرة البعض على استخدام التطبيق في عمليات التحويل مثل كبار السن.

يقول: "فروع البنوك أيضًا قليلة في دار السلام فلا حل للأهالي سوى التطبيق الإلكتروني، وإلا يضطرون إلى قطع مسافات طويلة نحو المعادي أو المنيل حيث ماكينات السحب".

يؤكد على حديثه عبدالمنعم محمود: "أُواجه معاناة حقيقية كلما حاولت السحب من ماكينة في دار السلام، والأزمة تزداد حدة في المواسم والمناسبات، مثل الأعياد، حيث يعجز كثيرون عن سحب المبالغ اللازمة لشراء مستلزمات العيد".

هذا أيضًا حال كريم سالم، رب أسرة من دار السلام، صرفت شركته راتب شهر مارس مبكرًا بمناسبة عيد الفطر لتمكين الأسر من شراء احتياجاتها، ورغم ذلك لم يتمكن من سحب أي جزء من راتبه بسبب عطل في نظام ماكينات السحب استمر طوال أيام العيد، مما حال دون تمكنه من شراء كافة مستلزمات العيد لأسرته.

يقول: "دار السلام حي شعبي كبير، ولا بد من زيادة ماكينات السحب، لأننا لا نشعر بوجودها". في ثالث أيام العيد، اضطر سالم إلى اللجوء إلى محلات "إنستا باي" ليتمكن من سحب مبلغ بسيط، بسبب ارتفاع الرسوم، فلم يكن أمامه خيار آخر سوى سحب راتبه نقدًا من البنك.

فجوة اقتصادية

لكن أحمد أبو علي، الخبير الاقتصادي، يحذّر من الاعتماد المفرط على السحب النقدي، لأن ذلك يُشكّل عبئًا كبيرًا على الدولة، بسبب التكاليف المرتفعة المرتبطة بطباعة النقود، وتغذية ماكينات الصراف الآلي، أو حتى توفيرها لتغطية جميع المناطق بشكل كافٍ.

ويؤكد أبو علي أن ماكينات السحب في الأصل هي وسيلة بنكية للسحب والإيداع، لكن نقصها يؤدي إلى تكدّس المستخدمين في مناطق محددة دون غيرها، مما يخلق خللًا في توزيع الخدمات المصرفية. 

ويوضح أن نموذج حي دار السلام يكشف عن فجوة قائمة في الاقتصاد المصري، بين التوجه نحو الرقمنة، والمناطق التي لا تتوفر فيها بنية تحتية مناسبة، مثل ماكينات السحب، ونتيجة لذلك، يظل عدد من المستخدمين عالقين بين استخدام التطبيقات الرقمية والبحث المضني عن ماكينة لسحب أموالهم.

يؤيده الخبير المصرفي طارق متولي، بأن فرض رسوم على تطبيق "إنستا باي" كان قرارًا متوقعًا نظرًا لضرورة تطوير التطبيق وزيادة عملياته وتوسعه، مبينًا أن التطبيق كان يمثل وسيلة ذكية وحلاً فعالًا للمناطق التي تفتقر إلى ماكينات سحب مثل حي دار السلام.

بينما يقترح الحسين حسان خبير التنمية المحلية، حلًا يتمثل في توفير سيارات متنقلة مزودة بماكينات سحب متصلة بشبكات قوية، لتتنقل بين المناطق وتلبي احتياجات المواطنين الرقمية.

حاولت صوت السلام التواصل مع وزيرة التنمية المحلية الدكتورة منال عوض، والدكتور خالد قاسم المتحدث باسم الوزارة، عبر الهاتف ورسائل الواتساب؛ للرد على أزمة نقص ماكينات السحب في حي دار السلام وتوضيح خطة الوزارة في حل المشكلة لكن لم نتلق ردًا حتى نشر التقرير.

وهكذا، يعيش كريم سالم مناسباته على وقع القلق والبحث عن طريقة لسحب راتبه، بينما تواصل إسراء قطع المسافات الطويلة كل شهر للحصول على راتبها، ويقضي محمود ساعات الانتظار أمام ماكينات السحب القليلة بالحي، في مشهد يتكرر منذ سنوات دون حل رغم الوعود والتوجه نحو الرقمنة

تصوير: مريم أشرف - أكشاك انستاباي