يخشى الدكتور وليد عباس، استشاري جراحة الأطفال، أثناء عمله من الوقوع في الخطأ، يظل متوترًا طوال فترة العملية الجراحية، إذ إن الخطأ غير المتعمد وارد ويعتبر جزءًا من العمل وفقًا له، لكن مكمن خوفه يكون من الضغط النفسي الناتج عن المساءلة القانونية، لا سيما بعد إقرار قانون المسؤولية الطبية.
يقول لـ"صوت السلام": "لا بد من توفير بيئة طبية أكثر دعمًا، تكون فيها الأولوية لمصلحة المريض مع الحفاظ على حقوق الأطباء، عبر الحكم على الأخطاء الطبية بشكل أكثر توازنًا وتفهمًا للسياق الطبي المعقد الذي نعمل به، خاصة أن مسودة القانون بها مواد تتيح معاقبة الأطباء نتيجة الأخطاء الطبية".
يؤكد على أهمية وجود لجنة تختص بفصل الخطأ الطبي عن الإهمال، خاصة في الحالات الجراحية التي يكون الأمل في نجاحها ضعيفًا، مشيرًا إلى أن تطبيق مسودة القانون قد تجعل الطبيب يتردد كثيرًا قبل تقديم الرعاية الطبية اللازمة، خشية من المساءلة القانونية إذا لم يتمكن من إنقاذ الحالة، وهو ما يحدث معه الآن.
جدل قانون المسؤولية الطبية
في أواخر ديسمبر الماضي، تصاعدت حالة الجدل التي خلفها قانون المسؤولية الطبية في مصر، بعدما وافق عليه مجلس الشيوخ، إذ يهدف القانون وفق بيان مجلس الوزراء إلى التأكيد على الحقوق الأساسية لمتلقي الخدمة الطبية، وتحديد المسؤولية المدنية والجنائية للأطباء من خلال "لجنة عليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض"، تابعة لرئيس مجلس الوزراء.
رفضت نقابة الأطباء القانون بسبب مواد الحبس في القضايا المهنية أو الحبس الاحتياطي، منها المواد 27 و28 التي ساوت بالحبس والغرامة بين من يرتكب أخطاء طبية، ومن يرتكب أخطاء طبية جسيمة، كما اعترضت النقابة على المادة 29 التي أعطت جهات التحقيق الحق في حبس الطبيب احتياطيًا على ذمة التحقيق.
بعد ذلك وافقت لجنة الصحة بمجلس النواب على تعديلات النقابة، التي شملت حذف مواد تنص على فرض عقوبات بالحبس والغرامة على الأخطاء الطبية غير الجسيمة والاكتفاء بالغرامة فقط، كما تم الإبقاء على عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة تتراوح بين 500 ألف ومليوني جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين في حال وقوع خطأ طبي جسيم.
لكن ظل المشهد مفعمًا بالجدل حول سعي مجلس النواب لتحقيق التوازن بين حفظ حقوق المرضى من الأخطاء الطبية، ومخاوف الأطباء من التعرض للعقوبات المبالغ فيها، ويبقى السؤال حول كيفية تحقيق العدالة في محاسبة الأخطاء الطبية دون التأثير سلبًا على القدرة المهنية للأطباء أو خلق مناخ من الخوف؟.
لجنة الصحة: "الجدل قد يؤخر إقراره"
في البداية، تؤكد إيرين سعيد، عضو في لجنة الصحة بمجلس النواب، أن المجلس الآن يقوم بوضع تعريفات واضحة للخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم، موضحة أن المجلس يستجيب لمطالب النقابة؛ لذلك حذف مواد 27 و28 و29 التي كانت تنص على الحبس الاحتياطي.
وتقول لـ"صوت السلام": "وعدلت اللجنة العقوبة من الحبس إلى الغرامة في حالة الخطأ الطبي وتراوحت بين 100 ألف جنيه حتى مليون جنيه، وعقوبة الخطأ الطبي الجسيم غرامة من 500 لـ 2 مليون جنيه، موضحة أن الخطوة القادمة هي انتظار عقد الجلسة العامة للنواب لمناقشة القانون، لأن دور لجنة الصحة انتهى بعد تعديل المواد التي أثارت حفيظة الأطباء.
وتتوقع إيرين أن الجلسة العامة سيثمر عنها تعديلات لتقليل الغرامات المفروضة، متوقعة عدم وجود أي تعديلات أخرى؛ لأن عملية الردع للحفاظ على حقوق الطبيب والمريض أساسية ولا يمكن تعديلها.
نقابة الأطباء: "التعديلات غير كافية"
بينما تؤكد إيرين سعيد على أهمية التعديلات التي تحقق توازنًا بين حقوق المريض والطبيب، يختلف الدكتور أسامة عبدالحي، نقيب الأطباء، في رؤيته، إذ يرى أن التعديلات الأخيرة هي حل غير كافي للنقابة.
يبرر ذلك بقوله لـ"صوت السلام": "في حالة الخطأ الطبي غير الجسيم، لا ينبغي أن يتحمل الطبيب غرامة، لأن الغرامة تعد عقوبة جنائية تهدف لتعويض الدولة، ما يجب في هذه الحالات هو توفير تعويض مادي عن الضرر الذي لحق بالمريض".
حق الطبيب مقابل الحق التشريعي
لكن تصرّ إيرين على تمسك النواب بحقهم في وضع الجزء التشريعي، لأن الأطباء غير مختصين في الشأن القانوني: "نحن نتعاطف معهم وقمنا بتعديل بعض النصوص؛ لكن الجزء التشريعي الذي يحفظ حق المريض لا يمكن تعديله، ونخشى أن الجدل الحالي يؤخر إقرار القانون دون إيضاح الفرق بين الخطأ الطبي والخطأ الجسيم".
بينما يرى نقيب الأطباء أن الخطأ الطبي الجسيم هو الذي يحتاج إلى ردع عام وحق الدولة والمجتمع، وتكون في حالات مثل عمل الطبيب في غير تخصصه أو القيام بإهمال أضر بالمريض، هنا يمكن حبسه ودفع غرامة، كما يحق للمريض رفع قضية بالحق المدني لتعويضه، لأنه خطأ لا يمكن التهاون فيه.
وعن خطوات النقابة القادمة، يقول: "على مدار الأسبوعين القادمين، تجتمع النقابة مع مجلس النواب، ونحن نتمسك بمطالبنا بألا يتم حبس الطبيب نتيجة أخطاء طبية واردة، كما هو معمول به في العالم لتوفير بيئة عمل آمنة ومنع هجرة الأطباء".
هجرة الأطباء
تدل الأرقام على تعمق أزمة هجرة الأطباء في مصر، إذ انخفض عدد أطباء القطاع الحكومي من 113 ألف طبيب في العام 2014 إلى 73 ألف طبيب العام 2020، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خلال العام 2020.
بينما شهدت الفترة من 2019 حتى مارس 2022 زيادة في أعداد استقالات الأطباء، حيث بلغ عدد الأطباء المستقيلين حوالي 11,500 طبيب، وفقًا لتقرير صادر عن نقابة أطباء مصر في عام 2022.
مستشار قانوني: "الطبيب ليس مجرم"
جانب آخر للأزمة يكشفه محمود الروبي، المستشار القانوني، بأن تقييم الخطأ الطبي في القانون المصري يعتمد فقط على الطب الشرعي، وهو ما يعتبره غير منصف لأن الطب الشرعي لا يشمل التخصصات الطبية المتعددة.
وبحسب مسودة قانون المسؤولية الطبية، تصدر لجنة فنية سيتم تشكيلها بموجب القانون تقريرًا بخصوص الأخطاء الطبية، لكن تقارير هذه اللجنة غير ملزمة لجهات التحقيق، وهي إحدى النقاط التي يعارضها الأطباء في القانون.
لذلك، اقترح الروبي إنشاء محكمة طبية مشابهة لبقية المحاكم المتخصصة، تتكون من قضاة ولجنة من الخبراء الأطباء في تخصصات متنوعة وأساتذة الجامعات، لضمان تحديد الخطأ والعقوبة بدقة، دون أن يتعرض الطبيب للحبس الاحتياطي، لأنه ليس مجرمًا.
ويرفض الروبي، محاسبة الطبيب مثل محاسبة تجار المخدرات: "القانون معمول به في أغلب دول العالم، لكن المسودة تحتاج إلى تعديل يضمن ألا يحاسب الطبيب طبقًا لقانون الإجراءات الجنائية والعقوبات".
ويوضح أنه في حال خروج القانون بشكل متوازن، متضمنًا آليات تساعد الطبيب على فهم خطأه ومحاسبته بشكل مناسب، مما يخلق بيئة طبية آمنة، تقلل من هجرة الأطباء التى استمرت لسنوات.
نصيب الفرد من الرعاية الطبية
تؤثر هجرة الأطباء في مصر على نصيب وأحقية الفرد في الحصول على الرعاية الطبية، وفق دراسة قام بها المجلس الأعلى للجامعات والمكتب الفني لوزير الصحة بعنوان: "احتياجات سوق العمل من المهن الطبية خلال الخمس سنوات القادمة بدءًا من عام 2020".
خلصت الدراسة إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصًا، بينما المعدل العالمي، طبقًا لمنظمة الصحة العالمية، هو طبيب لكل 434 شخصًا، وتبين الأرقام حجم الفجوة.
تستمر الأزمة بين الأطباء وتعديلات القانون، ويظل الجدل قائمًا حول التفرقة بين الخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم، وفي الوقت الذي يناقش فيه المجلس القانون تمهيدًا لطرحه قريبًا، يسعى الأطباء إلى وجود قانون خاص ينظم مسؤوليتهم دون محاسبتهم على الأخطاء الطبية الواردة، مع ضمان بيئة عمل آمنة تحمي حقوقهم وحقوق المرضى.