وسط أزمة نقص أدوية في السوق المصري، التي بدأت من عامين، لم يشعر المواطنون بشفافية في تصريحات رئاسة الوزراء ووزارة الصحة وشعبة الدواء، بسبب تضارب تلك التصريحات مع واقع الصيدليات الحالي، فعلى أرض الواقع لا يزال المواطنون يبحثون طوال الوقت عن عبوة دواء فقط لإنقاذ حياتهم.
"تضارب التصريحات الأخيرة مع الواقع"
في 14 يوليو الجاري عقدت رئاسة الوزراء اجتماعًا، مع وزير الصحة والسكان ورئيس هيئة الدواء المصرية، بهدف مُتابعة جهود توافر الأدوية مشكلة النواقص، وفي أثنائه أوصى رئيس الوزراء بـ "ضرورة العمل على حل مشكلة نواقص الأدوية".
لكن على أرض الواقع أجرت "صوت السلام" بحث ميداني في منطقة دار السلام، لُمتابعة أثر الجهود التي تتحدث عنها الجهات المعنية، فمن خلال البحث عن أنواع شائعة لدواء غدة درقية وأدوية الضغط والسكر بـ10 صيدليات في أماكن متفرقة بالمنطقة، لم يتوفر في 7 صيدليات تلك الأدوية، وكان رد الصيدلية أن تلك الأدوية لم تتوافر خلال الثلاثة أشهر الماضية، فيما أشار البعض إلى أن شركات الأدوية وأزمة الدولار السبب في تلك الأزمة، ، كما ذكروا أن الزيادة الجديدة للأدوية عطّلت حركة توريد الأدوية للمخازن، ومن ثمّ الصيدليات.
وفي صيدليتين أخريتين توافر شريط لدواء الضغط، وعبوة دواء سكر وعبوتين لدواء الغدة، أما الصيدلية الأخيرة توفّرت فيها الأدوية كاملة، لكن لم يسمح العاملون فيها سوى بتوفير علبة من كل نوع لكل عميل، وأوضح أحد الصيادلة من العاملين فيها "مش بنطلّع الأدوية دي لأي حد".
"حياة المرضي مهددة .. التسلسل الزمني للأزمة"
بدأت ملامح أزمة نقص الأدوية من 2022، من خلال تلقّي شكاوى من مُستخدمي أدوية الأمراض المزمنة بسبب عدم توافرها، ثم موجة أخرى في نهاية عام 2023، تلتها موجة شديدة من نقص أدوية الأمراض المزمنة في فبراير الماضي. بدأت الصحف حينها في تناول الأزمة، وكانت أغلب ردود الغرفة التجارية و الصيدليات أن الأزمة تعود إلى شُحّ السيولة الدولارية، لاستيراد المواد الفعالة، ذلك بالتزامن مع أزمة صرف الدولار أمام الجنيه، الذي وصل سعره 30.75 جنيه، ثم في مارس رفع سعره لـ 49.20 جنيه، ليكون تمهيدًا لشهور من أزمة الأدوية.
وبعد تحريك أسعار الصرف في مارس الماضي، حدثت زيادة في أسعار الدواء بعد الاتفاق بين هيئة الدواء والشركات، وبالفعل كانت الزيادة الأولى في يونيو الماضي بنسبة تتراوح بين 20 إلى 25%، على نحو ألف صنف دوائي، ثم الزيادة الثانية في أغسطس المقبل، وبعدها زيادة ثالثة في ديسمبر المقبل، وذلك بحسب تصريحات صحفية سابقة لرئيس شعبة الأدوية، علي عوف، وعلى الرغم من الزيادة المُطبّقة بالفعل إلا أن الأدوية لا تزال ناقصة.
ووسط هذا التشتت، لم تُصدر هيئة الدواء قرار بخصوص النواقص، فقط أطلقت خط ساخن للاستفسار عن الأدوية الناقصة وأماكن توافرها في المنافذ الحكومية تبعًا لمحافظة المتواصل معها، وإلى الآن لم توضح رئاسة الوزراء موعد محدد لانتهاء الأزمة، بل كررت أكثر من مرة أنها خلال شهور.
"لا يوجد أزمة نواقص في مصر ".. هل هذا صحيح؟
في مرات عديدة نفى رئيس شعبة الأدوية في تصريحات صحفية وجود أزمة نواقص في مصر، من بينها تصريحات في يونيو الماضي، التصريحات في يونيو الماضي، لكن بداخل مخزن أدوية مصري شهير بحي دار السلام، صرح عبدالله سليمان -أحد مسئولي المخازن- أن عملية التوريد اليومية للصيدليات أُصيبت بخلل خلال الأشهر الأخيرة، مما لا يتناسب مع طلب السوق، فالمتوفر حاليًا من أدوية الأمراض المزمنة عبوتين فقط، ويذكر المسؤول أن متوسط الطلب اليومي لصيدلية في منطقة لا يوجد فيها ضغط شرائي نحو 40 علبة، بينما تحتاج بعض المناطق التي يوجد بها طلب أكثر من 500 عبوة.
وقسّم سليمان الأزمة إلى جزئين؛ الأولى أزمة النواقص في الأشهر السابقة، لعدم توافر المواد الفعالة من خارج مصر نتيجة أزمة الدولار، أما الجزء الثاني من الأزمة فهو زيادة أسعار الأدوية، لكن حتى الآن يؤكد سليمان أنه لا يوجد موعد نهائي واضح من الشركات " لنزول الأدوية السوق بالأسعار الجديدة، بينما المخازن والصيدليات في أزمة لا يعرفون متى نهايتها".
يُصرّح محمود فؤاد لـ"صوت السلام"، مدير مركز الحق في الدواء، أن مصر تعمل بالتسعيرة الإجبارية للدواء، وكانت آخر تسعيرة حدثت في عام 2018، وقتها بلغ سعر الدولار 18 جنيه، لكن في 2022 وصل سعر الدولار 30 جنيه، ثم ازداد تدريجيًا حتى وصل إلى 49 جنيه-مع تحريك سعر الصرف في مارس الماضي-، مُوضحًا أن الدولة انتبهت مؤخرًا لزيادة الأسعار حتى تُنقذ صناعة هامة لحياة ملايين، وفي دولة تعتمد على الاستيراد والدولار في تلك الصناعة، من المواد الفعالة حتى الأحبار المُستخدمة للكتابة على العبوات.
يلوم فؤاد الحكومة أنها لم تستعد لتغيير تسعيرة الدواء بعد تحريك سعر الصرف، وفي رأيه أن ذلك ما سبّب الأزمة الأخيرة في نقص الدوار، لأنه أوقع شركات الدواء في أزمة بين فرق التكلفة والمبيعات، فمثلًا عبوة دواء تُباع بـ 30 جنيه، وبعد رفع سعر الدولار واقتران الصناعة بالاستيراد تكلّفت سعر العبوة 50 جنيه، ويتحمل الفارق في السعر الشركات. يضيف فؤاد " احنا بنتكلم على سوق اقتصادي كبير جدًا، في 2023 عمل مبيعات 3.3 مليار دولار، لأن مصر أكبر دولة لديها عبوات دوائية وأكبر سوق أدوية في المنطقة، ازاي ميكونش فيه تنبؤ من الحكومة للأزمة؟! ، مهين اوي أننا نشوف طوابير في صيدلية الأسعاف على حقن انسولين، احنا هنا بنتكلم على حياة بشر مهددة بسبب تراخي في تحرير سعر الدواء والصرف، كان يجب أن رئيس الحكومة يسأل نفسه هنعمل إيه مع الدواء اللي تسعيرته في رقبتنا.. كل السلع زادت مع زيادة سعر الدولار".
حسب إطلاع فؤاد على السوق، يرى أن الأزمة قد تبدأ في الانتهاء في شهر أغسطس، بسبب أن خوض الشركات لإجراءات بين الاعتماد البنكي للحصول على سيولة دولارية ثم توفير المواد الخام ودخولها مصر، ثم الحصول على التسعيرة الجديدة، وبالتالي ستحتاج الإجراءات إلى شهر أو أكثر.