لمسلسل سابع جار حب في قلبي، ليس لمجرد أن حبكته الدرامية جيدة وتقاطعه مع قضايا اجتماعية مختلفة، ولكن أيضًا لسطوة مجتمع نسائي داخله، يقدن خلاله الأحداث، الجيد منها والسيء بعيدًا عن فكرة "البطل المنقذ"، يقدمن الدعم لبعضهن البعض، حتى أدوار الرجال فيه ليست بعيدة كثيرًا عن الاندماج في هذا المجتمع.
في الحياة العادية، يبدو ان ميلنا باستمرار إلى أن تكون لنا مساحات خاصة أمرًا ليس غريبًا على النساء، مساحات نخلقها بيننا، نحن فقط، لا وجود فيها للرجال، فالمجتمع في الخارج لا يعطينا المساحات الآمنة المشتركة في العادة، لذا يبدو تجمع النساء فى حمام الجامعة أو العمل، وتجمعاتنا فى القري وقت خبز العيش، أو فى "الكوافيرات"، في "حنة البنات"، وهى احتفال بالعروسة قبل الفرح يكون احتفال خاص بالنساء فقط، كلها مناسبات خاصة منها من تعرف داخلها كلًا منا الأخرى، ومنّا من تجد نفسها تفتح حديث مع من بجانبها وهي تضبط الحجاب والأخرى تضبط المكياج وكلًا منهم لا يعرف بعضهن البعض، ولكن اجتماعنا في مساحة خاصة بنا وحدنا يعطينا الأمان في ذلك.
تختار النساء فى هذا المساحة الخاصة أن تكون نفسها، أن تعبر عن أراءها، تشارك اهتمامتها مع باقي النساء فى مستحضرات التجميل والكتب والأفلام واختيارها لشريك الحياة المناسب، فى مساحاتنا نتشارك "البرفيوم" بكل الحب، ونعطي نصائح للتعافي من الاصدقاء السابقين أوالعلاقات العاطفية السابقة.
أظن أن الأمر ليس مجرد أننا نشترك كوننا من جنس واحد، فمجتمعات النساء لا تنطلق من نفس النقطة التي تنطلق منها تجمعات الرجال على القهوة مثلًا، اعتقد ان الأمر لدينا أكثر تعقيدًا من ذلك. فالمساحات الضيقة التي تضيق الخناق علينا في مجتمعنا الصلب، وكل ما يطرحه من أفكار تقدم الرجل طول الوقت علينا، وتفرد له مساحات لا نطولها، وسواء ذلك على مستوى الأبنية أو الشارع أو أماكن العمل أو الدراسة، تبدو دافعًا رئيسيًا لكي يكون حمام البنات في كل هذه الأماكن مثلًا منفذًا لنبكي من ضغوط نتعرض لها دون أن نشعر بالخجل من أن ترانا باقي المترددات عليه.
قد يفتح المجتمع الحق للولاد أن يجلسوا في الطرقات، وعلى ناصية الشارع، وفي القهاوي أو المساحات المفتوحة، أن ينزل وقتما يشاء وكيفما يشاء. أما البنت فهي إما متكدسة في منازلنا الضيقة أو في مسارات محددة، لا تفتح لها مساحات مفتوحة بديلة اكثر اتساعًا، حتى أن مجرد مرورها في الشارع -الضيق أيضًا – لا يكون آمنًا بالكامل، فهي إن لم تتعرض للمضايقات فيه، قد تتعرض لها في وسائل الانتقال أو حتى في الأماكن المشتركة التقليدية.
ولا أقول أن الطبيعي هو ألّا نشعر بالآمان والأريحية سوى في مساحاتنا الخاصة، بل إن المفترض أن تكون هذه المساحات اختيارية لنا وسط الحياة العادية.
وقد جسد الفن هذه الفكرة في عدة أعمال، مثل فيلم "فتاة المصنع" الذي أثار فيه خان هذا المجتمع النسائي الخاص في المصنع الذي كان دخول "صلاح" مهددًا له، ومتسببًا في سقوط ريم كضحية له.
مجتمعنا حاد تجاه مساحات نسائه، يأخذنا من المدرسة إلى الكلية ثم إلي العمل، ثم طبقًا لمعادلته تكون المحطة التالية هي الزواج، وكأننا عندما وجدنا أننا لا نقرر اختياراتنا، بدأنا في خلق مساحات نتحدث فقط ونسمع بعضنا البعض، ولو لساعة فى اليوم، ولو لدقائق معدودة فى الحمامات بعيدًا عن الصراعات الذكورية وازمتهم مع كل تفاصيل النساء.
نتحرر من السمعة السائدة من أن "الستات بيغيروا من بعض"، التى خلقها الرجال غيرة من مجتمعاتنا ودعمنا غير المشروط وتواجدنا معنا، الذي بالتأكيد لأ يفهمه الرجال، لأ يفهم الرجال ما معني أن نعطي مساحة للبكاء، أن نترك صديقتنا تبكي وتأخذ وقتها حتى تشعر تتعافي من ذلك الأحساس، لأ يعرف الرجال الدعم النسائي بعد إنتهاء العلاقات العاطفية، ولأ يعرفوا الحديث عن التابوهات بحرية بين النساء وبعضها لأنهم هم من خلقوا التابوهات ليمنعونا من الحديث، ثم من السخرية أننا إيضًا نتحدث.
فى فيلم "يوم للستات" للمخرجة كاملة أبو ذكري، حيث يوم كامل للنساء، مجتمعهن وبكائهن وحبهن يتواجد يوم الأحد من كل أسبوع بحمام السباحة، فكان إيضًا يتلصص عليهم الرجال، وكأن ليس لهن الحق في أن يكون لهن يومهن الخاص، رغم أنهم اعتادوا أن النصيب الأكبر من ساعات الصالات الرياضية وحمامات السباحة والشوارع لهم فقط، هم فقط من يدور حولهم الكوكب بكل أيامه وساعاته.
"فى بلد البنات كل البنات مالية جيوابها سكر نبات"، هكذا غني منير لمجتمع نساء، قد نعيش بداخله يومًا ما، ونبني أعمدته بالدعم غير المشروط، أحرار غير منشغلين غير بـ"السكر نبات"، ويكون يوم المرأة هو اليوم القومي لنا، فى بلد النساء فقط.