أحمد عمر: مساكن القاهرة "علب بشرية" مزّقت المجتمع وأهملت الراحة الحرارية

تصوير: مريم أشرف - المهندس أحمد عمر خلال حواره مع صوت السلام

كتب/ت مريم أشرف
2024-08-04 03:00:10

في الشهور الماضية، وصلت درجات الحرارة في القاهرة لـ 39 درجة مئوية، مع توقعات بارتفاعات لم يسبق أن تشهدها العاصمة خلال السنوات الماضية، على جانب موازِ استمرّ سيناريو اختفاء الأشجار والمظلات التي تُقلل من حدة الطقس في شوارع العاصمة، وفي غياب التخطيط المعماري لدرجات الحرارة الغير المسبوقة التي تقدم بيد التغير المناخي، أُطلقت مبادرة "عين .. عمارة من أجل الإنسان" سردية أخرى، عن مساهمة أخطاء المهندسين المعماريين والعمرانيين في أزمة الطقس.

أحمد عمر هو مهندس ومؤسس شريك بالمبادرة، حاوره "صوت السلام" عن سردية تأثير العمران في درجات الحرارة، من خلال مصطلح هندسي بيئي وهو "الراحة الحرارية"، وناقشه في أزمة القاهرة الحالية، وواقعها العمراني الحالي وطقس القاهرة.

في البداية.. لماذا أطلقت المبادرة؟

أطلقتُ المبادرة بهدف خلق مساحة في الأساس للمعماريين والعمرانيين المتخصصين، لوضع معايير معمارية تاريخية وبيئية للقياس المعماري والحكم العمراني بكونه مناسب لتلك المعيار أم به أخطاء معمارية وعمرانية، ثم تحليل الرؤى التاريخية والهوية لعمران المدن، مثل القاهرة التي تقع في ثلاث رؤى عمرانية أساسية؛ الأولى رؤية غير نظامية "عشوائيات"، والثانية هي التغريب لأنها تُحاكي العُمران الغربي، والرؤية الثالثة الجمود، وهي رؤية تراثية تاريخية لا تُناسب العمران وشكل الحياة الحالي. تهتم المبادرة بشكل أساسي بالعمران الإسلامي، من خلال تخصيص عددًا من الجولات والمحاضرات عن العمران الإسلامي فقط.

ما هي الراحة الحرارية؟

الراحة الحرارية هي النتيجة التي تتحقق في حال توافر شروط في العمارة، داخل المسكن والمدرسة والجامعة والعمل، لتوفير درجات حرارة مُناسبة نتيجة الفراغ الهندسي، ففي المسكن مثلًا تجعل المستخدم غير مُتأفف من درجة الحرارة، أو يحتاج إلى عامل مساعد مثل المراوح أو "التكيف".

وتلك الشروط تُعدّ معايير بيئية ومعمارية، من ضمنها درجات الحرارة في المنطقة، اتجاه الرياح واتجاه الشمس، بينما تختلف الراحة الحرارية من المستشفى للمنزل أو مكان العمل، مثلها مثل الإضاءة التي لا يجب أن تكون مُوحّدة في كل الأماكن، فهي جزء من شروط يجب أن يُوفّرها المعماري والعمراني في البناء مثلما يوفر الشروط المعمارية الأخرى.

ما التخصصات الهندسية ترتبط بتحقيق الراحة الحرارية؟

تقع مسئولية الراحة الحرارية على ثلاث تخصصات هندسية، المهندس المعماري وهو مصمم المبنى أو الوحدة السكنية كاملة، والمهندس العمراني هو مصمم الجزء الإنساني في تلك المباني، بين مداخل ومخارج الخدمات، من بينهم الراحة الحرارية التى تعتبر جزء من عمل العمراني، ثم المستوى الثالث وهو المصمم الداخلي الذي يطلق عليه في مصر "مهندس الديكور"، الذي يعتبر بالنسبة لشريحة اجتماعية كبيرة أنه رفاهية، بينما هو يكمل دور العمراني في إتمام الراحة الحرارية لكل مسكن، لذلك المستوى الثاني "العمراني" والمستوى الثالث "التصميم الداخلي" هما أساس توفر الراحة الحرارية للمسكن.

ما مدى تحقق الراحة الحرارية بالقاهرة؟

المنتج العمراني في القاهرة بنسبة 80% غير مُحقّق للشروط البيئية والراحة الحرارية، رغم أن طلاب قسم عمران بكلية الهندسة يدرسون مواد متخصصة بالبيئة، لكنه جزء مُهمل من شركات العقارات والمطورين العقاريين المُتحكمين بسوق العمران في القاهرة، فهي ليست اكتشاف ولا يجتهد العمراني في دراستها، بينما في السوق حاليًا يوجد توجه واحد وهو توفير مدخل للهواء فقط، دون الاجتهاد لتوفير مدخل ومخرج للهواء الشهير بمصطلح عامي مصري "ملقف هواء"، فيكتفي حاليًا العمرانيين بعمل شباك كمدخل هواء فقط.

ماذا عن القاهرة الجديدة و تحقيق الراحة الحرارية؟

القاهرة الجديدة أُنشأت في ثمانينيات القرن الماضي كمشروع لتخفيف الضغط على المناطق غير النظامية "العشوائيات"، ونقل جزء من السكان أصحاب الطبقات المتوسطة أو الأقل لها، لكن لسبب غير معروف ضمّت المنطقة طبقة اجتماعية فوق المتوسطة، بكثافة بناء واختلاف في الاحتياجات، ظهر ذلك من خلال عنصرين، العنصر الأول هو نسبة استهلاك المياه لتلك المناطق من خلال غسل السيارات التي تتواجد بعدد كثيف، مُقارنة بالعدد الذي كان من المُحتمل يتواجد في حالة سكن سكان المناطق غير النظامية بها.

العنصر الثاني هو البناء على مخارج السيول والأمطار، وبالتالي كل شتاء يغرق التجمع ويكون "تريند" على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن تلك الطبقة والمطورين العقاريين للقاهرة الجديدة غيروا خطة الراحة الحرارية التى كانت محققة في المنطقة، لذلك لا يوجد بدائيات التخطيط في بعض المناطق بالقاهرة الجديدة التي تتضمن البيئة وأسلوب الحياة للسكان.

لماذا تتمتع المعادي و جاردن سيتي والزمالك والمناطق المماثلة براحة حرارية جيدة؟

المعادي والمناطق المماثلة هي مناطق مُخططة معماريين بتخطيط يُسمّى التخطيط "النجمي"، هو تخطيط أمني بامتياز، من خلال ميدان وشوارع جانبية للميدان مكشوفة وقصيرة.

لذلك اشتهرت المعادي حديثًا بـ "ميدان .. كشك ورد"، فأصبحت منطقة جاذبة للسكان، بسبب قِصر الشوارع القابلة للمشي والتنزه فيها، ثم وفّرت سرايات المعادي شوارع حدائقية وهي شوارع مُشجّرة بالكامل، لذلك تكون درجات الحرارة فيها والشوارع أكثر إنسانية، وتُسمّى مناطق جاذبة للسكان، ويُمكن تطبيق ذلك على باقي المناطق المشابهة في القاهرة، ثم بالتأكيد بسبب ذلك التخطيط المعماري والعمراني توفرت الراحة الحرارية بالمباني المتواجدة، التي كانت بالأساس مصممة كسرايات وقصور.

ما اختلاف المناطق غير الرسمية "العشوائية" والراحة الحرارية بها؟

تعتبر إحدى مشكلات القاهرة العمرانية أنها تضم أكثر من 60% من المناطق الغير رسمية، يعود ذلك إلى حركة هجرة السكان من المحافظات إلى القاهرة في السبعين سنة الأخيرة، ثم ضغط عنيف في الطلب على مساكن. في المقابل لم تخطط الدولة لذلك الضغط، وبالتالي بدأ المهاجرين في شراء أراضي وبناء منازلهم، دون النظر إلى التخطيط والخدمات. وكان المنطقي بناء مناطق ملاصقة لمناطق رسمية، فمثلًا المعادي تُلاصقها البساتين ودار السلام، الزمالك تُجاورها بولاق، وغيره من السيناريو المُتكرر القائم في الأساس على ارتباط فرص العمل لسكان العشوائيات بالمناطق الرسمية.

ثم بعد سنوات، أدركت الدولة القنبلة الموقوتة التي تُسمّي "العشوائيات"، ووفّرت تراخيص بناء لتلك المناطق وخدمات، لكن النتيجة هي أن أكثر من 60% من القاهرة لا يُوجد بها أسس عمرانية إنسانية، من مسافات سير مُخصصة للسكان "رصيف"، ومساحات الخضراء، كذلك تعاني من تكدّس مدارس في شارع واحد مثل منطقة مُجمّع المدارس في حي دار السلام.

لذلك من السيناريو الحالي أن منطقة مثل دار السلام يفرقها شارع عن المعادي، هذا الشارع يحتوي على قدر من الراحة الحرارية، ثم الشارع الآخر الملاصق له والتابع لحي دار السلام يتسم بالجفاف والبعد كليًا عن شكل وتخطيط الشارع الملاصق التابع لحي المعادي.

لذلك الراحة الحرارية في المناطق غير النظامية تعتبر رفاهيات حرفيًا، لأنها تعاني من مشكلات عمرانية ومعمارية أساسية.

ماذا عن الراحة الحرارية بالأحياء التطويرية الجديدة.. الأسمرات وما شابه؟

تُوصف تلك المدن بـ"علب بشرية اسمنتية" هدفها تجميع البشر وتكديسهم، لحل أزمة المدن غير النظامية، بعيدًا عن احترام النسيج الاجتماعي الخاص بالمدن غير النظامية، وتوفير حياة على الأقل تُشبه أسلوب حياتهم السابق في المناطق غير النظامية، وبالتالي يتدمر ذلك النسيج من خلال تلك الأحياء.

ولأنها "علب بشرية" فلا يتوافر بها الراحة الحرارية، بل تُعتبر رفاهية، كما أن السكان يعانون من مشاكل اجتماعية بسبب تفسخ مجتمعهم، ومهنية نتيجة لتهجيرهم لمناطق بعيدة عن عملهم.

ما القوانين التي تنظم الراحة الحرارية بالعمران في مصر؟

للأسف في الأغلب لا يوجد قانون يُنظّم الراحة الحرارية في العمران، لكن التغير المناخي أجبر الأمم المتحدة على عمل خطة تنمية مستدامة في 2023، لها 17 هدف، من بينهم خلق مدن مستدامة تسمح بتوافر تلك الشروط العمرانية من بينهم؛ الراحة الحرارية والتعامل مع الخدمات والمصارف وحركة المرور، ووافق أعضاء المنظمة على الخطة، ومن بينهم مصر، وبالتالي ستكون تلك الخطة في إطار مشروعات الدولة.

ما نصائحك للعمرانيين والمعماريين لتحقيق الراحة الحرارية في القاهرة؟

النصيحة الأهم للمعماريين، هي تحديد اتجاه الرياح والشمس بالمبني، واختيار الاتجاه الشمال كاتجاه جيد للراحة الحرارية الذي يطلق عليه في مصر "بحري" بسبب بعده عن الشمس، كذلك اختيار واجهات المباني، هل تكون زجاج أم مجرد مداخل ومخارج هواء، وكل منهم يحدد على أساس اتجاه الرياح والشمس، حتى نخرج من حلقة التغير المناخي والتعرض لاشعة الشمس، ثم الاستخدام الدائم لمكيف الهواء، الذي يزيد من الانبعاثات الكربونية وبالتالي زيادة أزمة التغير المناخي

تصوير: مريم أشرف - المهندس أحمد عمر خلال حواره مع صوت السلام