في قلب القاهرة، وتحديدًا في زمن التحولات الكبرى التي شهدتها مصر خلال العام 1919، ولد واحد من أبرز الأدباء على المستوى العربي، دفعته نشأته الصعبة للسعي أكثر خلف حلمه، والإبحار بعمق في عالم الكتابة، رغم مرارة الفقد التي تجرعها بعد انفصال والديه.
هو الأديب إحسان عبدالقدوس، الذي تحلّ ذكرى وفاته اليوم، وبسبب حبه الشديد لأمه ظل يدافع عن قضايا المرأة في كتابته طوال حياته، وأصبحت أعماله تنبض بالقضايا الإنسانية الهامة والحريات، مستلهمًا من حياته وما عاشه كتابات رسخت له مكانة ضخمة في عالم الأدب العربي.
نشأة صعبة
ولد إحسان عبدالقدوس في 1 يناير العام 1919، وكانت مصر تشهد حراكًا سياسيًا كبيرًا بسبب ثورة عرابي، وانفصل والداه وهو في سن الطفولة؛ لذلك وُضع في ملجأ أيتام لمدة 6 أشهر، وفق حديث له مع الإعلامي مفيد فوزي.
كان والده الفنان محمد عبدالقدوس شغوفًا بالفن فتركه هو ووالدته ولحق بحلمه، وعانت أمه في تربيته بمفردها دون أي نفقات، لكنه تربى في بيئة مختلطة فكان جده لأبيه من خريجي الجامع الأزهر، وكانت أمه السيدة روز اليوسف ممثلة وصحفية لبنانية من أصل تركي، وإحدى أشهر أسماء الفن والصحافة والسياسة، وساعدت تلك الثقافات المختلفة إحسان في الانغماس أكثر بالقراءة وحب الكتابة.
حب الكتابة
انغمس إحسان في حب الكتابة التي اختلطت بالسياسة والدفاع عن المرأة بحكم التحولات السياسية في ذلك الوقت، ظل قلمه حرًا مثل والديه، اللذين رفضا الخضوع لأي سلطة.
رفض والده التبعية للملك، وتمسك بموقفه في مسرح قصر عابدين، بينما رفضت والدته روز اليوسف الهيمنة على الفن واعتزلت التمثيل، وانشأت مجلة باسمها وأصبحت منصة سياسية وثقافية تؤثر في مجريات الفكر والمجتمع.
تلك المواقف أثرت في كتابته، إذ لقب بـ"أديب المرأة" بسبب روايات: "أنا حرة، لا أنام، نسيت إني امرأة"، وهي روايات منحت المرأة صوتًا معبرًا وأعطتها انطلاقة جديدة داخل مجتمعات كان غريبًا عليها المناداة بحرية المرأة.
كتب إحسان حوالي 600 رواية، تحولت أكثر من سبعين منها إلى أفلام ونصوص مسرحية ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية، وترجم حوالي 65 رواية منها إلى لغات أخرى، إلا أن معظم أفلامه تعرضت للمنع أو التعديل من قبل الرقابة.
فمنع فيلم "لا أنام" وغيرت نهاية فيلم "البنات والصيف"، كما تعرض فيلم "يا عزيزي كلنا لصوص" للاعتراض على اسمه، أما فيلم "حتى لا يطير الدخان" مُنع لفترة طويلة.
اعتقال إحسان
كان لإحسان وجه سياسي آخر عارض به القصر الملكي وطالب بتغيير النظام وتكوين الأحزاب، وتعرض للعديد من محاولات الاغتيال، التي لم تمنعه من نقد المشهد السياسي فكان يدس آرائه السياسية في كل مقالاته ورواياته.
وعلى الرغم من الصداقة التي جمعت عبدالقدوس بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلا أن ذلك لم يمنعه من مهاجمته في مقالاته وكتبه، مما أدى إلى اعتقاله بعد هجومه على مجلس قيادة الثورة في مقال له خلال 19 أبريل العام 1954 بمجلة روز اليوسف تحت عنوان: "الجمعية السرية التي تحكم مصر".
أعماله الفنية
أثرى إحسان السينما بالعديد من الأفلام، إذ تحولت معظم رواياته إلى أعمال فنية مثل: "أنف وثلاثة عيون، النظارة السوداء، لن أعيش في جلباب أبي"، وظل أدب إحسان مستمرًا في التأثير على صناعة السينما والدراما، حتى العام 2017 بمسلسل: "حتى لا تطفئ الشمس" وهو إعادة تدوير لروايته.
جوائز حصل عليها إحسان
على الرغم من إنجازاته الأدبية الكبيرة، لم يحصل على أي جائزة من الدولة تقديرًا لأدبه، رغم تأثيره العميق في الأدب العربي، سوى جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 1989.
مرضه ووفاته
توفي إحسان عن عمر 71 عامًا، إثر صراع مع المرض، حتى أصيب السكتة الدماغية في 12 يناير العام 1990.