خلال يونيو الجاري، سجلت محافظة أسوان أعلى معدل في درجات الحرارة على مستوى العالم، وصلت إلى 50 درجة مئوية، وفقًا لموقع "Eldorado weather" المتخصص في رصد درجات الحرارة.
ورغم أن أسوان أحد المحافظات التي يعتاد أهلها على ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن الارتفاع الكبير الذي سجلته المحافظة ضمن محافظات الصعيد في الشهور الأخيرة أثار جدلًا كبيرًا بين مواطني المحافظة وخبراء الطقس والأرصاد وانعكس ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا مع إثارة الحديث في الجانب الآخر حول مشاهد قطع الأشجار أو غياب سياسة التشجير وعدم وضوح رؤيتها على أرض الواقع، بل أن تتبع هذه السياسات في السنوات الأخيرة يكشف عن انخفاض نسبة التشجير من الأساس.
يقول الدكتور أحمد غديرة، المختص بالتغيرات المناخية، خلال مداخلة هاتفية له على قناة القاهرة الإخبارية في أكتوبر 2023، أن المساحات الخضراء لها إمكانية لتقليل ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، وهي الحرارة المُحتبسة جراء المباني والأنشطة البشرية.
وأضاف أن الدراسات أثبتت عدم استغلال الأشجار كعنصر جمالي فحسب، بل إنها تعمل على خفض درجات الحرارة؛ فالأشجار تعمل على تنقية الهواء من الترسبات وتجعل الهواء أكثر برودة من الهواء الملوث، فضلًا عن نشر الظلال وتوفير الأكسجين.
وتابع: "ولا يلزم أن تُزرع أنواع أشجار محددة، لكن من الأفضل أن تكون أشجار كبيرة، ففي المدن المتطورة يوجد توزيع استراتيجي للأشجار والمناطق الخضراء وخاصة المدن التي لها رطوبة عالية، فعند التخطيط لإنشاء المدن يجب الأخذ في الاعتبار المناطق الخضراء لتوفير مدن صحية".
وبتتبع هذا الأمر وتطبيقه على محافظة أسوان، نجد أنه في العام 2020 بدأت خطة تنفيذ أعمال مشروع تطوير مدينة أسوان، ووفقًا للصفحة الرسمية للمحافظة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، شملت الخطة تطوير السوق السياحي وميدان المحطة وكورنيش النيل، وحديقة درة النيل، بتكلفة تصل لنحو 270 مليون جنيه وفقًا للموقع الرسمي لخريطة مشروعات مصر الحكومي.
وخلال خطة التطوير، أعلنت المحافظة أنها ستحول حديقة درة النيل إلى متنزه عالمي بمساحة 7 أفدنة منه 60 % مسطحات خضراء، وذكرت أنه سيُعاد الاستفادة من الأشجار والنباتات والبرجولات والأسوار في رفع كفاءة حدائق أخرى، وافتتحت المحافظة الحديقة في يوليو 2021 بمناسبة عيد الأضحى.
إلا أن الواقع يقول العكس، فباستخدام موقع World Imagery Wayback الذي يوفر أرشيف رقمي لصور خريطة المدن على مدار سنوات مختلفة، قٌمنا برصد شكل الحديقة الحالي في ديسمبر 2023 وفي أعوام سابقة قبل بدء أعمال التطوير في عام 2020، وبمقارنة الصور يظهر عدم تساوي المساحات الخضراء في الحديقة بعد تطويرها وشكلها السابق، فجرى تغطية بعض المساحات الخضراء من الحديقة بأرضيات رخامية.
إلى جانب ذلك تضمنت خطة التطوير مشروع تطوير السوق السياحي وميدان المحطة، المُنفّذ بتاريخ يناير 2021، وامتد التطوير من ميدان المحطة حتى شارع صلاح الدين أو ما يُعرف باسم"الشارع الجديد" بطول طريق الكورنيش، بتكلفة قدرها نحو 80 مليون جنيه.
قبل التطوير
بعد التطوير
وتضمّن تطوير ميدان المحطة رفع كفاءة الطرق المحيطة، وإزالة الجزيرة الوسطى، وإنشاء نافورة راقصة عليها، ويعمل المشروع في المرحلة الثانية له على إنشاء مركز تجاري ومبنى إداري وتطوير واجهة مبنى المحافظة بمدينة أسوان، وتشمل الخطة نقل مبنى المحافظة إلى موقعها الجديد بمدينة أسوان الجديدة في عام 2032.
باستخدام موقع World Imagery Wayback قمنا برصد الميدان في ديسمبر 2023، وفي أعوام سابقة قبل بدء أعمال التطوير في عام 2020، وبمقارنة الصور، يظهر انخفاض المساحة الخضراء في الميدان واستبدال الأشجار بنخيل، التي قد لا تحقق نفس مميزات الأشجار في التظليل.
قبل التطوير
بعد التطوير
نقص الأشجار أزمة تؤيد وجودها إيمان مصطفى، كاتبة من أسوان، وتوافق على أن تكثيف التشجير سيُخفّض نسبيًا من ارتفاع درجات الحرارة في صيف أسوان الحارق، مؤكدة على أن المظلات التي أضيفت بمراحل التطوير لم تُغنْ عن الظلّ، خاصة "مع ارتفاع سخونة المقاعد المصممة"، بحسب ما تقول إيمان.
وترى ضرورة تكثيف التشجير في طريق الكورنيش أمام ميدان المحطة "لأنه يمثل ساحة انتظار المسافرين للحصول على مواصلة تحت أشعة الشمس"، كما تُفسّر، مشيرة إلى أن إعجابها بالتطوير لا يجب أن يكون على حساب التشجير، فبحسب قولها "هناك مناطق أخرى مُهملة بعيدًا عن المناطق المذكورة في حاجة للاهتمام مثل منطقة السيل وانتشار القمامة في شارع المدارس".
التطوير كان سببًا في حجب مشهد غروب الشمس لمن اعتاد رؤيته من أمام باب محطة قطار أسوان، يقول ذلك محمد عبد الستار، مصور فوتوغرافي، بنبرة مليئة بالأسف، مُضيفًا "كنت أعتاد رؤية ذلك المشهد حينما أخرج من باب محطة القطار لأشاهد غروب الشمس، لكن تطوير ميدان المحطة عرقل رؤيتي له بسبب وجود برجولات وأعمدة خشبية".
وأكد عبد الستار أن أسوان تتمتع بمشاهد جمالية طبيعية، وكأحد سكانها يرى أنها لا تحتاج إلى المُبالغة في تصميم أعمال التطوير، لكن في رأيه بشكل عام التطوير ليس سيئًا، ويتمنى أن يكون الاهتمام مُوجّه لتشجير المنطقة أكثر، خاصة ميدان المحطة الذي تُغطيه الأرضيات الرخامية، بالإضافة إلى الطريق بطول كورنيش النيل "فهو في حاجة لتكثيف زراعة الأشجار لتهدئة درجة الحرارة العالية على المواطنين كنتيجة أفضل من إنشاء المظلات بطول الكورنيش"، بحسب رأيه.
اتّفق معه مصطفى حسين، 32 عامًا، محاسب وأحد سكان المحافظة، موضحًا أن خطة تطوير المدينة في حاجة إلى أن يتم النظر بشارع الكورنيش والمدينة ككل لتكثيف زراعة الأشجار مثل الماضي، خاصة مع انتشار الأرضيات الجرانيت التي تسبب ارتفاع درجة الحرارة عند السير عليها.
ولم ينتهْ الأمر عند ذلك الحدّ، بل إن المحافظة قامت بعدة مشروعات أخرى للتطوير، رصدنا فيها أيضًا تقليص المساحة الخضراء، منها تطوير منطقة مسجد الطابية الأثري، كذلك تجريف الحدائق في أسوان، وعلى رأسها حديقة الورد بكورنيش النيل؛ فبدلًا من إعادة زرع الحدائق المهملة، يجري تجريفها بدافع الاستفادة من مناطق غير مُستغلّة، مثل الحديقة الواقعة بجوار مول الجيش، إذ جرى إزالتها لإنشاء مشاريع تنموية.
ويأتي ذلك في ظل تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية المنشور على موقعها الإلكتروني في مارس 2024، الذي أشار إلى أن العام 2023 كان الأكثر حرارة على الإطلاق، إلا أن عام 2024 فاقه حرارة حتى الآن.