داخل مكتبة المعهد الفرنسي بمنطقة المنيرة وسط حي السيدة زينب؛ عرضت صورًا توثق الحياة في قطاع غزة، حملتها كاميرا المصور الصحفي محمد سالم الذي وللصدفة وصل إلى القاهرة في 4 أكتوبر الماضي، حيث تلقي فرصة عمل جديدة في صحيفة بإحدى الدول الأوروبية، لكن بعد أيام قليلة من وصوله بدأ قصف الاحتلال الاسرائيلي على القطاع، لينجو هو وصوره بينما تظل عائلته كلها تحت القصف الإجرامي.
يعيش الفلسطيني محمد سالم، 28 عام، مصور صحفي حر، في مخيم جباليا في الشمال الشرقي من قطاع غزة. بدأ العمل بالتصوير الصحفي منذ 8 سنوات، مع قناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية، كما شارك في تأسيس صفحة "قصة فلسطينية لم تُحكى" (untold palestine story) على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
ومتنقلًا بين المخيم وخارجه بحثًا عن فرص عمل في مجال التصوير، إلّا أنه دومًا كان يحجز رحلة العودة إلى موطنه.
في القاهرة، يقطن سالم منذ أكتوبر الماضي. فقد فضّل المكوث بالقرب من عائلته بدلًا من السفر وبدء عمله، في ظل إبادة يشهدها سكان القطاع.
ومن هنا، شارك بصوره في برنامج "هنا فلسطين"، الذي نظمه المعهد الفرنسي بالقاهرة لدعم الفن الفلسطيني، يومي 27 و28 أبريل الماضي، وتخلل البرنامج أنشطة ومساحات معارض وبازارات فلسطينية، من بينهم كان معرض صور "غزة حبيبتي" لسالم، ومن داخل المعرض حاوره "صوت السلام" للتحدث عن حياته كمصور في قطاع غزة.
كيف شاركت في الفعالية وما تجهيزاتك لها؟
سمعت عن البرنامج من خلال أحد العاملين بالسفارة، وقررت المشاركة بصور عن مجتمعي الذي لم يتبقْ منه شيء سوى الركام، كان هدفي أن يعرف العالم كيف يتمسك أهل غزة بالحياة، واسم المعرض "غزة حبيبتي" انطلق من شعوري بعد متابعة القصف والنزوح المستمرين داخل القطاع، فجمعت كل صوري التي كنت قد صورتها داخل غزة، واخترت منها 15 صورة لعرضهم بالمعرض، والصور توثق مشاهد من الحياة اليومية في غزة قبل القصف.
ما أقرب صورة لقلبك؟
صورة "مات قلبي وأنا حي"، لأنها من أعمق الصور المعبرة عن الحياة في غزة، فالصورة تم التقاطها في 2020، وتحتوي على تلك الجملة بجانب نافذة منزل، ينظر منها أطفال لشخص يرتدي ملابس "سانتا كلوز"، فهي بالنسبة لي تجمع شعور الفقد و ذكرى الاستشهاد الملاحقة للفلسطيني، إلى جانب الحياة والأمل الذي يجري في دمائهم.
كيف استقبلت ردود الأفعال على المعرض؟
سعادة شديدة، بعد شهور من الحزن والفقد، وشعرت من خلال تلك الردود أنني بالفعل قد قدمت شيء ما لغزة وللشهداء وكل من ضحى في أرضنا المحتلة.
كيف تصف حياة المصور في غزة؟
حياة المصور في غزة تنقسم لشقين، الشق الأول هو الأحداث الدائمة على مدار 24 ساعة، من قصف لمضايقات من الاحتلال، لذلك يجب أن يكون المصور متواجد في الشارع طوال الوقت، الشق الثاني هو أن حياة المصور صعبة وشاقة، بينما حياة مصور غزة أصعب نفسيًا لأن الصور التي ينتجها المصور هي توثيق لأزمته منذ الطفولة، لذا، نفسيًا، التصوير بغزة يزيد من الأزمة والوجع.
كيف يتعامل الاحتلال مع الصورة الصحفية؟
الاحتلال يعرف قوة الصورة الصحفية، وأنها قادرة على تغيير نظرة العالم لهم، فأصبح يتعامل بعد 7 أكتوبر على أن الصورة تساوي الصاروخ أو القصف الذي يقوم به، وقواته تتعامل مع المصورين باعتبارهم مقاومين، لذا يتم استهدافهم من قبل الاحتلال.
كيف ترى استهداف المصورين والصحفيين؟
أرى أن استهداف الصحفيين والمصورين هو خطة ممنهجة من الاحتلال، لأن الحرب على المدنيين والأطفال والنساء، والطبيعي بالنسبة لهم أن يستهدف المصورين والصحفيين لأن لديهم قوة ودور كبير في مقاومة للاحتلال.
كيف تغيرت حياتك بعد 7 أكتوبر 2023؟
في البداية رفضت فرصة العمل التي كنت بالفعل في طريقي لخوضها بأوروبا، بسبب قلقي على أهلي ومحاولاتي للعودة إلى غزة حتى أطمئن عليهم، لكن لم تنجح هذه المحاولات، واخترت استكمال إقامتي في مصر، لأنها أقرب إلى غزة من أوروبا، ولأني كنت احاول أن انقل أهلي إلى مصر منذ اليوم الأول لكنهم رفضوا، ووالدي تحديدًا رفض لأنه متمسك بأرضه وموطنه.
ما شعورك أثناء كل هذه الأحداث؟
"حاسس حالى معلق بالنص، مش فاهم شئ" فأنا لا أستطيع التواصل مع أهلي إلا مرة كل يومان أو ثلاثة أيام، ولدي صعوبات في النوم لمدة شهور، ومتابعة مباشرة للأخبار والأحداث، خوفًا من أن يكون خبر هام يخص أسرتي، "انا واصل لمرحلة اني مستني خبر وعرف أنه بشع.. بس بتنساه انت مجبور مش عندك خيار".
بعد 7 أكتوبر.. كيف ترى غزة على خريطة العالم؟
7 أكتوبر كان لابد أن يحدث، في ظل أخر موجة تطبيع، وعدم معرفة الأجيال الجديدة بالقضية الفلسطينية، وتحديدًا أجيال ما بعد الانتفاضة الثانية، فكان لابد من حدث يعيد فلسطين على أولويات العالم.
ما دور الصحفي الفلسطيني في حرب 7 أكتوبر؟
دور الصحفي في حرب 7 أكتوبر كان دور مميز وشجاع، لأننا قدمنا للعالم نماذج من المصورين، يمكن دراستها لمن يحتاج أن يتعلم فنون الصحافة.
الصحفيون يرصدون حياة الفلسطينيين الآن، ويتمكنون من التصوير في ظل حرب وأحداث تهددهم، وصعوبات عدم وجود كهرباء وإنترنت، وعدم وجود طعام، وفقد بعضهم لأهله ومنزله، لذلك كل الأحترام والتقدير لهم.
ما أثر الحرب نفسيًا عليك؟
بالطبع أشعر بموجة اكتئاب شديدة، تظهر في النوم ونظرتي للحياة، أتابع الأخبار بقلق شديد من الأحداث القادمة، إلى جانب حزني على استشهاد عددًا كبير من عائلتي و أصدقائي وزملاء العمل، وفقدي لمنزلي في غزة الذي قصف بعد ثالث أيام الحرب، حيث كان يمثل الأمان بالنسبة لي.
قتل الاكتئاب والحرب شغفي للتصوير، فأصبحت أخاف من أن أحمل كاميرا وأحاول التقاط كادر بسيط من الطبيعة، اعتقد أن ذلك يرجع أيضًا لحزني بسبب فقد مجموعة كبيرة من معداتي في قصف منزل.
كيف ترى دور الإعلام العالمي خلال الحرب؟
الإعلام العالمي كان مع رواية الاحتلال، ولم يكن في صالح الفلسطينيين، لكن هناك موجة من الصحفيين الذين برزوا خلال أحداث الحرب ونقلوا الصورة بحقيقتها للعالم، فصدّق عدد من الغرب الرواية الفلسطينية وأصبحوا مناصرين للقضية، ويظهر ذلك في المظاهرات التي تحدث في أمريكا وبعض دول أوروبا.
كيف يتعامل الشارع المصري معك؟
شعرت من تعامل المصريين أني بين أهلي، بسبب الترحيب الشديد ومحاولات تقديم المساعدة، واختفى قلقي من شعور الغربة تمامًا، تحديدًا لأن أسلوب الحياة في مصر بسيط وملئ بالود مع الغرباء.
ماذا تتمني لغزة وعائلتك ومسارك المهني ؟
أتمنى أن تنتهي الحرب، وأعود لمنزلي وأطمئن على عائلتي وأن يعود كل شيء كما كان وكأن الحرب لم تندلع بالفعل، وأتمنى أن يعود شغفي لعملي وحبي للتصوير، وأن أتعافي من الحرب وتعود حياتي كما كانت.
الجدير بالذكر أن قصف الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن أدى إلى استشهاد 141 صحفي، وذلك وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، التي تشير احصائياتها إلى أن الاحتلال قتل منذ 1972 حتى قبل أحداث أكتوبر 118 صحفي.