كادرات لا تُنسى، تحكي عن عالم خاص خلف كاميرا السينما، ظل مبهمًا وغير معروف للكثيرين، صاحبه هو جندي مجهول استطاع بعدسته توثيق مشاهد خالدة من السينما المصرية؛ هو المصور السينمائي محمد بكر.
وثق بكر، الذي ولد العام 1937 بكاميرته أهم الأعمال السينمائية المصرية حتى سُمى بـ«شيخ المصورين»، إذ أفنى ما يزيد عن 60 عامًا في تصوير البوتريهات السينمائية وأصبح له صور ذات سحر خاص، في عدة أفلام مثل: «الجوع، عمارة يعقوبيان، أهل القمة»، وكثير من الصور التي قد يتبادلها الجمهور ويحبها عن الأفلام من تصويره.
وعلى هامش معرض «50 عامًا من البورتريه السينمائي»، الذي يستعرض أهم كادرات وصور المصور محمد بكر، فيضم ما يقرب من 100 صورة من 80 فيلمًا، أجرى «صوت السلام» حوارًا معه، تحدثنا فيه عن دخوله للسينما وحبه لها وقصة كل كادر وأحب الأفلام إليه.
أحكي لنا عن بدايتك في صناعة السينما؟
والدي كان مصورًا خاصًا للملك فاروق وطلعت حرب وأم كلثوم، ودفعني ذلك إلى الاهتمام بالتصوير بشكل عام، والانجذاب للسينما بشكل خاص، لأنه عالم ملهم بالنسبة لي، وبعد مرحلة الثانوية العامة رفضت الالتحاق بكلية الشرطة، لكي أكون من طلاب معهد السينما.
وكان أول موقع تصوير صورت فيه مع والدي أغنية «كل دا كان ليه؟» للمطرب الراحل محمد عبدالوهاب، وأتذكر كلماته التي قالها لي وقتها: «أنا مبسوط إني مطرب الجيلين، والدك صورني والابن صورني»، ومن بعدها انطلقت إلى عالم السينما.
ما الذي يملثه لك عرض صورك في معرض 50 عامًا من البورتريه السينمائي؟
وجدت أنها فرصة للالتقاء بالجيل الجديد، وعرض أرشيفي الذي حافظت عليه لمدة 60 عامًا، ولتوثيق حياة وأعمال الجيل الراحل من السينما، ولم أتوقع الحضور الكثير في المعرض والصدى الإيجابي الذي حظيت به، إلى جانب ردود الفعل التي وصلت لي عن الإعجاب بصوري في المعرض.
ما أبرز التحديات التي واجهتك في مشوارك السينمائي؟
قديمًا كانت تواجهني تحديات عدة، بدأت من قلة الإمكانيات والتكنولوجيا، لكي ننتج صورة واحدة نحتاج إلى تحميض الألوان لمدة خمسة أيام، وخلال فترة الخمسينيات والستينيات كانت مصر تواجه قلة الورق والأحماض الخاصة بالصور، مما عطل حركة السينما والتصوير لشهور طويلة في مشروع واحد، ومع الانفتاح الاقتصادي تم حل الأزمة.
والتحدي الآخر هو بناء الثقة بين الممثلين وصناع السينما، لأن التصوير هو فعل حميمي، يتطلب ود وثقة بينك وبين بطل الصورة، والحقيقة أني واجهت هذا التحدي لسنوات لكني أهتم ببناء الثقة والراحة بيني وبينهم، وبدأت في حصاد هذا البناء عندما امتلأ أرشيفي بصور حيّة وطبيعية للصناع.
لمدة ستين عامًا.. ما الذي اعتمدت عليه في مسارك المهني؟
أرى أن مساري المهني اعتمد على الصبر والطاقة، فكنت رغم متاعب المهنة أحاول بناء أرشيف سينمائي حي، لأن مصور السينما أساس حركة الكاميرا والكادرات في الأفلام، ولا بد من وضع الشخصيات والعناصر في نهاية كل كادر فيما يسمى «الباكورات»، إلى جانب أن هذه الصور كانت تستخدم وقتها بشكل إنتاجي لبيع الفيلم والتسويق له في دور العرض.
مَن أكثر ممثل/ة أحببت تصويره/ا ولماذا؟
أكثر ممثلة أحببت تصويرها هي سعاد حسني، امتلأ أرشيفي بصورها، وأغلب الصور التي يحبها الجمهور لها هي من تصويري، لأنها كانت شخصية منفتحة وراقية، تقدر المصور وعمله وأهمية من هم وراء الكاميرا، وكانت مطيعة للتعليمات وقت التصوير، وتخرج صورها مبهجة وتلقائية وتناسب شخصيتها.
ما رأيك في أغلب كادرات الأفلام السينمائية الحالية؟ وعدم محاكاتها لكل الطبقات الاجتماعية؟
القائمون على الصناعة الآن لا يعرفون قيمة التكنولوجيا الحالية، إذ إن مراحل صناعة الصورة أصبحت أكثر سهولة، ورغم ذلك لا توجد كادرات لها هدف أو معنى، إلى جانب تداخل أعداد كبيرة في فريق الفيلم أو المسلسل، فهناك أكثر من 100 شخص في الفريق، بينما كنا قديمًا لا نكمل 20 شخصًا، مما يساهم في توحيد الرؤية، واتخاذ القرارات بشكل سلسل.
وبالنسبة للطبقات الاجتماعية ومحاكاة حياة "الكومباوند"، هذه مشكلة المؤلفين، لأن سردية أن يكون البطل في الفيلم شخصًا شعبيًا أصبحت غير موجود كأن يوجد محاولات لطمث هذه الطبقة، والمؤلفين والمنتجين هم المسؤولون عن التوجه الحالي، وحاليًا لا يمكن تقديم فيلم يعلق في ذهن الجمهور، وبمجرد مشاهدته ينساه الجميع، فلا توجد شخصيات أيقونية مثل "زوزو" التي جسدتها سعاد حسني في فيلم "خلي بالك من زوزو".
بما تنصح الشباب المبتدئين في مجال التصوير السينمائي؟
أنصحهم بأن يقدموا صورًا قيمة توثق كل عمل سينمائي، حتى يصبح لديهم أرشيف جيد عن السينما المصرية، إلى جانب تنمية موهبتهم بالدراسة والاستماع لمن هم أكبر منهم للاستفادة من خبراتهم.
ما الذي تتمناه خلال السنوات القادمة بالنسبة للسينما المصرية؟
أتمنى أن تهتم وزارة الثقافة ونقابة السينمائيين بالأرشيف الذي امتلكه، وعمل متحف لهذه الأعمال، ليس لي بل لتكون لمحبي التصوير السينمائي، إذ عرضت عليّ أكثر من مؤسسة في دول الخليج بيع هذا الأرشيف لهم مقابل مبالغ خيالية، لكني كنت أرفض لأن هذه الفرصة تستحقها مصر، لأنها أصل السينما في الشرق الأوسط.
كما إنني ساهمت في إثراء هذا الأرشيف من خلال توثيق كل صورة باسم العمل وتاريخ وساعة التقاطها وكتابة جزء من كواليسها، كما أتمنى تقديم معرضًا باسم والدي حسين بكر أعرض فيه أرشيفه خلال فترات الثلاثينيات والأربعينيات، إذ يمتلك صورًا للملوك والمطربين مثل عبدالوهاب وأم كلثوم وحفلاتهم.