بمجرد أن تطأ قدمك ذلك المنزل تميز رائحة الخوص به، إذ ينتشر في كل ركن من أركانه، ويُصنع به مخرجات يدوية وكأنها تحف فنية.
هو منزل محمود رجب، 26 عامًا، فنان أحب الخوص منذ صغره، إذ يقطن في قرية الأعلام بمحافظة الفيوم، وورث تلك المهنة من والده، وأخذها معه حين انتقل إلى منطقة المعادي بالقاهرة، ليعبر بمنتجاته عن ثقافة المحافظة والموروثات الشعبية بها.
تزين مخرجات رجب المنازل في القاهرة بعدما جاءت من الفيوم، إذ نشأ في منزل يعمل كل من فيه بحرفة الخوص، فكان أول شيء تعلم صنعه هي الكراسي الخشبية، وحين توفى والده لم يعد محمود يملك شيء سوى إرث الصنعة.
يحكي لـ«صوت السلام»، قصة تلك الصنعة: «أبويا ساب لي معرض للخوص، الأسرة كانت بتستخدمه من سنة 1972 في المعادي، لكن أنا قررت الاهتمام بيه وتولي مسؤولية الأسرة وصنعة أبويا».
ظل كالرحالة بين قرية الأعلام والمعادي، كي يحافظ على الأرث الممتد والذي سيورثه إلى ابنه، إذ تزوج محمود وهو في سن العشرين ولديه ابن 7 أعوام: «ابني هيتعلم الصنعة مني ومن جده، لأن أنا إيدي فيها من زمان عكس أخويا اللي سافر الخليج».
خلال سنوات قليلة أصبح محمود من أهم باعة منتجات الخوص في منطقة المعادي، وأصبح لديه زبائن مصريين وأجانب من محبي الأعمال اليدوية، ويقدرون الأهمية الفنية لتلك الحرفة.
20 يومًا يقضيها محمود شهريًا في منزل يستأجره بالمعادي من أجل بيع المنتجات في معرض والده، أما باقي أيام الشهر فيكون مع الأسرة بالفيوم ليشرف على صناعة منتجات الخوص. يقول: «قررت الحفاظ على التعاون اللي كان بين والدي ونساء القرية كدعم لهم، عشان كدة بوفر لهم المواد الخام، وهما يشتغلوا في منزلهم ويعطوني المنتج النهائي».
النسبة الأكبر من أعمال الخوص لدى محمود تعتمد على النساء، ويشكل الرجال نسبة قليلة إذ يعمل معه 30 شخصًا من القرية: «الرجال مش بتعرف تشتغل الخوص زي الستات، لكن بعتمد عليهم في النقل وتوفير المواد الخام».
رحلة محمود في صناعة منتجات من الخوص تبدأ بتوفير المواد الخام من تجار القرى المجاورة، وهي الخوص والسعف وعفش الأرز، ويضعهم في الماء لمدة يوم كامل، كي تكون جاهزة للعمل وتحويلها إلى منتجات عملية، يضيف: «الخوص يعتمد على اليد وليس الماكينات، ومنتجاتنا عبارة عن كراسي وأطباق وسبت غسيل وشنط وديكورات».
أما عن الأسعار فأوضح أنها من 50 حتى 400 جنيه، وتختلف حسب حجم كل منتج منهم وتكلفته، إلى جانب وضع تكلفة النقل من الفيوم التي تصل إلى 800 جنيه في الرحلة الواحدة.
يتمنى محمود أن يشارك في معارض خارج القاهرة والفيوم، لعرض منتجاته وإبراز أهمية صناعة الخوص: «أنا بحب شغلي ونفس أفتح أكتر من مكان؛ لأن دي الصنعة الوحيدة اللي بعرف أعملها وشاطر فيها، وهي كمان بتديني لما أنا بديها حب وتعليم أكتر وتطوير في شغلي».
كما يتمنى أن يفتتح ورشة عمل في الفيوم، ومدرسة لتعليم صناعة منتجات من الخوص: «ستكون الورشة بها منتجات للصناعة، والمدرسة لتعليم الأجيال الجديدة كل ما تعلمته من والدي، وهحط صورته في نص الورشة عشان الناس كلها تعرف أنه صاحب الفضل عليا».