على موسيقى فيلم "العالمي"، يلعب شباب منطقة دار السلام كرة القدم؛ ومن الشارع إلى مركز الشباب التابع للمنطقة والذي تم افتتاحه منذ شهور بعد تطويره، فالكل هنا يبحث عن فرصة للراحة من الدراسة والعمل.
بعض الشباب يفضلون الجلوس على "المقهى" أو الذهاب لـ"الجيم"، والبعض يذهب لأداء مباراة زمنها ساعة تقريبًا، يُسددون الأهداف ويمررون الكرة، ويضحكون على زميلهم الذي تحول مرماه إلى "حصالة" من كثرة الأهداف التي سقطت في شباكه.
مثلما يقتسمون الضغوط والأفراح، يتشاركون حب كرة القدم، وفي حجز الملعب.
داخل مركز شباب دار السلام يجمع محمد أحمد، 19 عامًا، أصدقائه ويلعبون كرة القدم، يقول على صفحته على "فيس بوك": “بـ 20 جنيه بنسى الدنيا..إنها كرة القدم"، يهتف بعد انتهاء إحدى المباريات بفوز فريقه.
يتذكر أحمد قصة مالك، بطل فيلم "العالمي" إنتاج 2009، والذي خرج من أوساط منطقته الشعبية - التي تشبه ظروف دار السلام - خلف شغفه للكرة وموهبته فيها ليصل في نهاية الفيلم إلى العالمية.
في الفيلم قرر المخرج أحمد مدحت أن تُكلل قصة بطله بالنجاح، بينما في الواقع يخرج من شوارعنا آلاف من الأطفال المهووسين بكرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم، لمجرد ممارستها حتى وإن كانت "النجيلة" صناعية أو حتى أرض جافة، بحذاء أو حفاة، وإن لم يصلوا إلى احترافها يكفيهم ما يحصلون عليه من متعة حجز "ساعة" كلما استطاعوا ماديًا، يتخلصون خلالها من ضغوط الدراسة والعمل والحياة الشاقة خارج أسوارها.
حينما تستمع إلى أحمد ورفاقه، تشعر مكانة كرة القدم في حياتهم كمتنفسًا أساسيًا هي و"البلايستيشن"، ويفسر ذلك أن كلاهما الأكثر إتاحة والأقل في التكلفة المادية، وفقًا لما تفرضه عليهم الأوضاع الاقتصادية والجغرافية بدار السلام.
فبعيدًا عن الشارع، يعتبر مركز شباب دار السلام المنفذ الوحيد أمام أبناء المنطقة المفتوح لممارسة الرياضة بأسعار أقل كثيرًا بالطبع مقارنة برسوم اللعب في الأندية أو الساحات الرياضية الخاصة، وقد ساهم في الأمر، التطور الذي حدث في ملاعب المركز مؤخرًا، فيتراوح سعر الساعة بالملعب من 150 إلى 180 جنيهًا، ويتم اقتسام السعر على عدد الفريق، فغالبًا يدفع كل فرد من 20 إلى 10 جنيهات فى المرة الواحدة.
وبينما تميل الأعمار السنية في المنطقة إلى ممارسة رياضة "الكونج فو" و"الكاراتيه"، يبدو أن الأكبر سنًا يميلوا إلى كرة القدم، وهم غالبًا الفئة التي تشجع فرق الكرة المحلية والعالمية ويحرصون على متابعة الدوري الإنجليزي الممتاز مثلًا.
يلعب محمد كرة القدم ست مرات تقريبًا فى الأسبوع، ساعة يوميًا بعد عمله الذي يمتد إلى 12 ساعة، إذ يدرس فى السنة الأخيرة بالثانوية الصناعية، ويعمل فى صناعة ديكور منزلي خشبي، ويعمل لتوفير الأشياء التى يحبها، ومنها كرة القدم، فيجمع المال لشهور لشراء حذاء رياضي بسعر مرتفع، أو ملابس رياضية جديدة.
بعد العمل يخرج محمد حاملًا حقيبة تحوي ملابسه الرياضية، ثم يتوجه إلى الملعب التى اختاره أصدقائه هذا اليوم، وهو إما مركز شباب دار السلام، أو بعض الملاعب الخاصة فى منطقة الزهراء والسيدة زينب وأحيانًا فيصل، حيث متوسط السعر 150 جنيهًا فى الساعة، وبالهاتف يتصلون ويحجزون الموعد المناسب، ويؤكدونه عبر "جروب واتساب".
فتحت الكرة مجالًا لمحمد للتعرف على أصدقاء جدد خارج مساحة العمل والمدرسة، كما زاد من خبرته في طرق اللعب الجديدة، ولم يختر محمد رياضات أخرى لأنها مملة، أما الكرة فيمتعه الجري في الملعب.
يحلم محمد أن يكون "العالمي" مثل الفيلم، وقد حاول بالفعل التقديم في أكثر من نادي من أندية الدرجة الثالثة، لكنه كان يُرفض، ومع زيادة ضغوط العمل والدراسة، تظل الساعة التي يقضيها داخل الملعب هى الأمل الذي يذكره بحلم العالمية.
أما حمزة الحسيني، 19 عامًا، فيدرس علم النفس في كلية الآداب جامعة حلوان، ويعمل فى فترات الصيف بائع وأحيانًا بمقهى، ومع أسلوب حياته الذي يختلف من موسم لأخر يظل نشاط ممارسة كرة القدم مع الأصدقاء هو الثابت، فيلعب حمزة من 6 إلى 7 مرات فى الأسبوع.
"ميسي هو الأيقونة" هذا ما قاله حمزة عن اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي، وهو ما دفعه لحب الكرة، ورغبته أن يكون مثل ميسي فى كل جوانب الحياة، وساعده ذلك فى اختيار نشاط يزيد من لياقته البدنية، لذا يشعر بالمنافسة والحماس الشديد فى خلال هذه الساعة، فيدفع 20 جنيهًا مقابل زيادة جرعة "الأدرينالين" في جسده، مما يشجعه على الدراسة والعمل.
أما محمد عبدالله، 19 عامًا، فيحب كرة القدم بعد تأثره بحكايات منتخب مصر الفائز في كأس الأمم الإفريقية 2008، يقول: “هذا الجيل شكل وعيّنا بالرياضة واللياقة البدنية، وهو ما جعلني ارتبط بكرة القدم"، والتي تعد مجالًا لطرد الطاقة السلبية ونسيان صعوبات الدراسة فى السنة الرابعة فى كلية التمريض، لذا يختار عبدالله ساعة لكرة القدم حتى لو كانت مخصصة بالأساس للدراسة، وذلك من أجل صحته النفسية.
حتى الآن محمد يمارس الكرة كهواية، لأنه يدرك أن الاحتراف يتطلب مجهود وتفرغ وهو ما يُفضل توفيره للتمريض، لذا يرى أن هذه الرياضة لا ينبغي أن تشغل من حياته أكثر مما يجب كلعبة يتخلص بها من ضغوط الحياة.
لا تكتمل راحة محمد ورفاقه بسماع صافرة النهاية من مسؤول حجز الملعب، إذ يذهبون بعدها لأول محل عصير لتناول كوب من القصب والذي يجددون بها طاقاتهم.
ومثل كرة القدم كلعبة شعبية، يعد القصب مشروبًا رخيص الثمن وفي متناول الأيدي، وبه يجمع الشباب توليفة من طقوس رياضية رخيصة الثمن، عظيمة الفائدة للصحة النفسية والجسدية.
يُذكر أن أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، قد افتتح في 21 يناير الماضي مركز شباب دار السلام، والذي حصل على إشهار دائم، بدلًا من المؤقت، والذي عمل به المركز منذ 2012.
وصار المركز رئة مفتوحة وحيدة، لسكان الحي والأحياء المجاورة لممارسة الرياضة، خاصة وهو يقع على مساحة 7 آلاف متر، ويضم ثلاثة ملاعب لكرة القدم.
كما يستقبل الأطفال الراغبين في ممارسة كرة القدم منذ إطلاقه، بحسب تقرير سابق نشرته "صوت السلام".