في عيد الأم.. حكاية ماما "فتحية" وبطولات "يوسف"

تصوير: مؤمن سعد - يوسف

كتب/ت مؤمن مسعد
2024-03-21 13:00:05

رحلة من التحديات والصعاب، تخوضها أمهات أطفال متلازمة "داون"، تبدأ من ولادتهم والعناية بهم، مرورًا بمساعدتهم على تحقيق أحلامهم وإدماجهم في المجتمعات، وصولًا إلى حمايتهم من أي إيذاء نفسي قد يتعرضون له.

وإذا كان العالم يحتفي كل عام بالأمهات في 21 من شهر مارس، ربما يكون الاحتفاء أكبر إذ كانت الأم لديها ابن من متلازمة "داون”، مثل فتحية.

تزوجت فتحية أحمد، 55 عامًا، ربة منزل، حين كانت في العشرينيات من عمرها ورزقت بفتاة، ولم ترزق بأطفال آخرين إلا بعد 15 عامًا، ثم أهداها الله يوسف، وهو من أطفال متلازمة داون، تقول: «ابني محبوب من الجميع، وكنت راضية باختلاف ابني، رغم أن أفراد المجتمع لا يتفهمون ذلك».

وفق تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن متلازمة داون هي اضطراب وراثي يسببه الانقسام غير الطبيعي في الخلايا؛ مما يؤدي إلى زيادة النسخ الكلي أو الجزئي في الكروموسوم 21،  وتسبب هذه المادة الوراثية الزائدة تغيرات النمو والملامح الجسدية التي يتسم بها أصحاب المتلازمة.

لم يقف اختلاف ابن فتحية عن أقرانه عائق أمامها في تنمية مهاراته ورعايته ذاتيًا، وتدريبه على الحديث من خلال دورات التخاطب: «منذ اليوم الأول من ولادة يوسف حرصت على التعرف عليه مع الأطباء كي يمر بالمراحل الطبيعية للأطفال».

ليس الأطباء فقط، ولكن بدأت فتحية تندمج مع أمهات أخريات لديهن أطفال من ذات المتلازمة، للتعرف على تجاربهن منهن أم لديها مهارات في التخاطب إذ تعمل إخصائية اجتماعية، والتي ساعدت يوسف كثيرًا على الحديث.

وبعدما أصبح يوسف يتحدث مع أقرانه، بدأت فتحية في البحث عن رياضة مناسبة له، واختارت السباحة، إلا أنها لم تجد مدربًا متخصصًا في بورسعيد للتعامل مع أطفال تلك المتلازمة، وتدريبهم، تقول: «السباحة وفق حديث الطبيب كانت مفيدة ليوسف».

وتضيف: «حين بلغ عامين ونصف، وجدت مدربًا ذا مهارة عالية في تعليم السباحة إذ يقوم بحركات بسيطة وعلى الأطفال تقليدها، ووافق على تدريب يوسف، اللي أظهر حب كبير للسباحة وسرعة في التعلم، لذا بعد عام واحد من التدريب وحينما أتم يوسف 4 أعوام حصل على المركز الأول في سباق 50 مترًا».

وبعد ذلك، فاز يوسف في عدة بطولات وحمل أكثر من شهادة تقدير في السباحة، وفي العام الماضي وقبل أن يتم يوسف 15 عامًا حصل على 7 بطولات ماراثون سباحة، بالإضافة إلى حصوله على الحزام البني في رياضة الكاراتيه.

لم يكن الأمر سهلًا بالكامل على فتحية، خاصة مع تقدم سنها وإصابتها بالسكري، تعلق قائلة: «الذهاب اليومي إلى التمرين والسفر فترة البطولات مشقة كبيرة عليّ، لكن أتحملها لأني أراه سعيدًا، هذا يسعدني».

رحلة التعليم أيضًا كانت مضنية، إذ إن محافظة بورسعيد لا يوجد بها سوى ثلاثة مدارس دمج مخصصة للطلاب من متلازمة داون، إلا أنها تعاني من الإهمال وعدم حضور المدرسين: «كان لدي إصرار على تعليمه، لا سيما القراءة والكتابة والحساب، ولجأت إلى المراكز الخاصة رغم غلاء سعرها إلا إنني لا أهتم سوى بمصلحة يوسف».

تتقشف فتحية في مصروفات المنزل لتوفير كل شيء من أجل يوسف، إذ تحصل على معاش تكافل وكرامة بمبلغ 550 جنيهًا إلى جانب عمل زوجها، تضيف: «لا أهتم بأي مصروفات سوى التي تخص يوسف، وأتمنى أن يلتحق ابني خلال مرحلة الثانوية العامة بمدرسة ثانوية رياضية، إذ إنه لن يستطيع الالتحاق بالثانوي العامة أو التجارية بسبب ظروفه الصحية».

ولم تكن الأم وحدها هي صاحبة الفضل في نجاح يوسف، ولكن والده السيد محمود، 58 عامًا، الذي يعمل في مهنة الصيد، ويوفر كل أمواله من أجل ابنه يوسف: «أوفر كل دخلي من أجل سفر يوسف والمشاركة في البطولات، أو علاجه لأن التأمين الصحي لا يحتوي على كل الأدوية، وجلسات التخاطب والأشعة».

أكثر ما يؤلم والد يوسف هو أن ابنه يتعرض إلى وصم مجتمعي وتنمر من أقرانه في الشوارع وأثناء البطولات: «جاء عليه وقت رفض فيه الخروج من المنزل حتى لا يتعرض له أحد في المواصلات العامة، لذلك اشتريت له دراجة كي يسير بها بعيدًا عن المارة ولا يتعرض لأي إيذاء نفسي».

 

يوسف