أمل بدأت مشروعها بـ500 جنيه وتحدّت الظروف لتربية أبنائها

تصوير: مؤمن مسعد - الطباخة أمل أمام شوّاية السمك

كتب/ت مؤمن مسعد
2022-10-22 00:00:00

 

أمام شوّاية السمك، تقف أمل لساعات طويلة يوميًا، صيفًا وشتاءً. صامدة أمام ظروف عمل صعبة، ونظرة شائعة تظن أنها مهنة تخص الرجال فقط، قبل أن تثبت للجميع أن لها مكانًا هي أيضًا فيها.

تحكي أمل محمد، 50 عامًا، المعروفة في السوق باسم "أم أحمد" في مقابلتها لـ"البورسعيدية" قائلة: منذ سبعة أعوام توفي زوجي، كان يعمل سائق سيارة أجرة، ولم توفر لنا الدولة معاشًا دائمًا، وفي ذلك الوقت كنت ربة منزل تتراكم عليه الديون والإيجار ومصاريف أولادي الأربعة، ولم يكن هناك بديل أمامي سوى النزول إلى سوق العمل، وبالرغم من أنني حاصلة على دبلوم صنايع، لم أفقد الأمل في العثور على عمل مناسب، كنت أهوى طهي جميع الأكلات منذ سن صغير، وقررت أن تتحول الهواية إلى مهنة ليست فقط لجلب المال ولكن لتحقيق حلمي، وسعيت بكل جهدي لتحقيقه، ولم تعوقني الظروف من الوصول لما أريد.

تُكمل أمل: ذهبت إلى سوق السمك باحثة عن أي فرصة عمل به، حيث أنني لم تكن لدي خبرة كافية في هذا المجال، بدأت بتنظيف الأسماك لفترة ليست قصيرة، ومن حسن حظّي أنني قابلت طبّاخا يُدعى "سيد"، وثق بموهبتي، وشربت المهنة منه فقد علّمني كل شيء بداية من الوقوف أمام الشَوّاية وحتى تجهيز الأطباق الرئيسية والطواجن، وبالفعل أصبحتُ مساعدة طبّاخ لمدة عامين متواصلين.

عدا سيد، كانت أمل تشعر أن أغلب الرجال العاملين في السوق لا يفضّلون عمل النساء وسطهم، ولكن بسبب تفوقها على الكثير منهم في أشياء مثل الاهتمام بمذاق نظافة الأكل وسرعة تقديمه معًا، تمكّنت من حجز مكان في السوق، ساعدها على ذلك دعم أولادها لها، فباتت من أوائل السيدات في السوق ومنذ ذلك الوقت أصبح هناك أكثر من سيدة في هذا المجال.

على ناصية شارع الأمين بمنطقة الحرية، استأجرت أمل محلًا لبيع الأسماك والبحريات وتحضيرها بالطرق البورسعيدية، فإذا لمحت المكان وأحسست من الوهلة الأولى أنك تشاهد والدتك داخل مطبخ المنزل، فلا تتعجب، لأنك ترى كل التفاصيل البسيطة التي لا غنى عنها في أي بيت مصري، مثل حلَّة الطبخ النحاس، وصاج الفرن ذي اللون الأسود، ومِصفَاة الطماطم، وغيرهم من أدوات تجعل قلبك يشعر بالدِفء والحَنِين.

"استأجرت المحل منذ ستة أشهر" تتذكر أمل هذه الفترة وتضيف: "في البداية حصلت على أكثر من قرض مالي من مبادرة "بشاير الخير" ضمن جمعية تنمية المشروعات، وهي ليست المرة الأولى فلقد حصلت على أول قرض منهم وكان قدره 500 جنيه في بداية رحلتي العملية منذ سبعة أعوام، للقيام بمشروع تجهيز أكل منزلي وعرضه على الإنترنت.

ومنذ بداية عمل المحل الذي استأجرته واجهت العديد من المشكلات، منها أنه في نفس مكانه كان هناك محل أسماك أيضًا، كانت لديه سمعة غير جيدة؛ لذلك عملنا بكل جهد لكي تتغير الفكرة سريعًا لدى الزبائن، ولذلك أحرص دائمًا على نظافة الأكل "كأني بطبخ لأولادي في البيت"، وحاليًا نعمل على التسويق الجيد من خلال موقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك" والإعلان عن عروض وتخفيضات يومية، وأسعى للعمل على تطوير المحل لكي يكون لدينا صالة لاستقبال الزبائن، وحلمي أن يكون لدينا فروع أخرى في بورسعيد.

وبسؤالها عن دور الأسرة في حياتها، وهل كانت داعمة لها في مشوارها العملي، تقول أمل: تلقيت مساندة ودعما كبيرا من أبنائي جميعًا منذ بداية عملي في هذا المجال، فابني الأكبر يعمل الآن في إحدى القرى خارج بورسعيد، ويساعدني في العمل ولداي محمد وأحمد، الأول في المرحلة الإعدادية والآخر في المرحلة الثانوية، وذلك في الإجازات الصيفية وعطلة الدراسة.

تصمت أمل للحظات، لتُكمل وعيونها تلمع: جهّزت ابنتي الوحيدة دون مساعدة من أحد، حيث كان هذا بمثابة عبء كبير بالنسبة لي، لذلك أعتبره إنجازًا أفتخر به في حياتي.

وفي نهاية حديثها تقول: أنا ضد مقولة "أشطر الطبّاخين هم رجال"، لأن من الممكن أن تتفوق "الست" على "الراجل" في أي مهنة، والمقياس هنا يرجع لمجهود كل شخص سواء رجل أو امرأة، لذلك يجب أن تسعى كل امرأة لكي تُثبت نفسها، ولا تعتمد على وجود رجل ينفق عليها، أو تنتظر مساعدة من أحد.

تصوير: مؤمن مسعد - أمل بدأت مشروعها بـ500 جنيه وتحدّت الظروف لتربية أبنائها