«عاطف زرمبة».. مؤسس «متحف الفن الحديث» بلا معرض في بورسعيد

تصوير: مؤمن مسعد - عاطف يستعرض لوحاته أمام مرسمه

كتب/ت مؤمن مسعد
2024-04-03 13:05:01

مع إشراقة صباح يوم الإثنين الماضي، ارتدى الفنان عاطف زرمبة ملابس أنيقة وعدّل هندامه، إذ يشعر بسعادة بالغة وهو يعيد ترتيب لوحاته، ويضعها أمام مرسمه داخل فيلا هيئة قناة السويس بمقر حزب الأحرار في مدينة بورفؤاد.

نحو أربعين لوحة من الفن التشكيلي، وضعها زرمبة على جدار المرسم في الخارج ليصبح معرضه مجانيًا أمام الجميع، وجلس بجانبه مفتخرًا بسماع الإطراء ومشاهدة نظرات الإعجاب من المارة بأعماله الفنية.

لم تمر ساعات قليلة على جلسته تلك، حتى مر رئيس مدينة بورفؤاد وتوقف بسيارته تجاهه، ليقول له: «من أنت؟ وكيف لك أن تفعل هذا؟ المحافظ سيمر من هذا الشارع بعد قليل ولا يمكن أن يرى هذا المنظر، قم بإزالة هذه اللوحات فورًا».

جمع الفنان التشكيلي الذي ولد العام 1952 لوحاته وأغلق معرضه المجاني، وسار متذكرًا رحلته ونجاحاته الفنية، إذ حصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم التصميمات المطبوعة من جامعة الإسكندرية، بالإضافة إلى دبلوم الدراسات العليا قسم الجرافيك، وأنهى السنة التمهيدية للماجستير في الجرافيك من جامعة القاهرة.

كما أنه عضو بنقابة الفنانين التشكيليين بالقاهرة، وعضو جمعية أدباء وفناني القاهرة (الآتليه)، وعضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ولُقب بأنه مؤسس متحف الفن الحديث، إلا أن فكرته تجاه إنشاء معرض للفن التشكيلي مجاني على الطرقات لم تلق إعجاب رئيس المدينة.

يوضح عاطف: «لم أهتم للتنسيق مسبقًا مع الجهات المسؤولة بالمحافظة لأنني كنت أقف أمام مرسمي وأنا فنان وأحاول نشر الفن بلا مقابل للجميع، لكن هناك قيود تعيق حرية الثقافة والإبداع».

يحكي زرمبة كيف جاءته فكرة معرض المارة المجاني: «أفضل تجارب الشارع ولا أميل إلى الصالونات والدعوات الرسمية والمعارض المتخشبة، لأن أغلبها تكون من أجل التقاط الصور فقط وقت افتتاح المعرض، ولكن الأمر في الشارع ممتع ومختلف تمامًا».

يضيف: «عندما يتواصل معك المارة يصبح لديك شعور مختلف، كذلك الإمكانيات المادية تعيق تذوق الفن لدى كثيرين، وأصبحت مسألة الاهتمام بالفن التشكيلي وتنمية الحس البصري ليست أولوية لذلك حاولت توصيل الفن لهم مجانًا».

حصل عاطف خلال رحلته في الفن التشكيلي على العديد من الجوائز منها المركز الأول في الديكور على مستوى مراكز الشباب بالجمهورية عن ديكور مسرحية «فوت علينا بكرة».

كما حصل على جائزة الديكور الأولى في ثاني تجربة له والأخيرة عن ديكور مسرحية «فرسان المؤامرة المستديمة» من الهيئة العامة لقصور الثقافة في نفس العام، بالإضافة إلى حصوله على المركز الأول في جائزة تصميم بطاقة بريدية من جامعة زايد في مسابقة «في حب زايد» العام 2005.

يعلق الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، على هذه الواقعة، بقوله: «من وجهة نظري هذا تصرف غير حكيم من رئيس مجلس المدينة، وكان يجب احتواء الموقف بالرجوع إلى جهات المختصة وإعطاء عاطف فرصة للتفاهم، طالما هذا المعرض الفني لا يشوه الشارع».

يضيف: «كان يجب أيضًا على الفنان التشكيلي أن يتوجه مسبقًا للجهات المسؤولة ليعرض عليهم فكرته ويحصل على التصاريح اللازمة بعد مراجعة محتوى المعرض، لأن الفنان ليس لديه الحرية المطلقة في تخطي دور الدولة، وهناك تجارب سابقة للكثير من الفنانين التشكيليين قاموا بعمل معارض فنية على مقاه في الشارع مثل الفنان محمد كمال في كفر الشيخ ولكنه نسق مسبقًا مع الجهات المسؤولة».

لم تكن التجربة الأولى التي يخوض فيها زرمبة معرض الشارع: «العام 1976 كان يفصلني عام على التخرج من كلية الفنون الجميلة، أقمت أول معرض لي داخل مقهى والدي، وكانت تجربة ممتعة عندما عرضت أعمالي الفنية، واستمعت بكلمات الإطراء العفوية».

يضيف: «وفي العام 1977 كانت التجربة الأولى لمعرضي في الشارع، وتحديدًا على سور باب 8 لميناء قناة السويس، وقتها كانت تصل باخرة سياحية كل 15 يومًا ينزل منها السياح لتتجول في أرجاء مدينة بورسعيد، أتذكر وقتها أن شرطة السياحة منعتني بحجة أن هذا المشهد يضرب السياحة، وذهبت إلى قسم الميناء وطلبت تصريحًا لعرض لوحاتي داخل رصيف الميناء وبالفعل تفهموا الأمر، وكانت من أمتع التجارب في حياتي».

لم يكن عاطف مجرد فنان تشكيلي فقط، ولكن عمل كمخرج صحفي ومصمم ورسام بمطابع الثورة العربية ببنغازي، وانتدب للعمل كرئيس وحدة الإخراج الصحفي حيث أشرف على العديد من المجلات العلمية والثقافية بالجماهيرية الليبية.

وأقام أول مرسم حر ببورسعيد لتعليم الأطفال والشباب في العام 1993، وتقدم بمشروع إنشاء متحف للفن الحديث ببورسعيد وساهم بالإشراف على تأسيسه، وعُين مديرًا له حيث أفتتح في 1995.

يرى الفنان التشكيلي، أن محافظة بورسعيد كان بها أقدم قاعات عرض الفنون التشكيلية، موضحًا أنه بالنسبة إلى جيل الخمسينيات كان هناك حركة فنية كبيرة بحكم أن بورسعيد وقتها كانت مدينة بها جنسيات متعددة ومختلفة.

لكن حاليًا كما يؤكد عاطف، لا يوجد سوى قاعة وحيدة في قصر الثقافة يمكن عرض لوحات الفن التشكيلي بها: «أمنيتي الوحيدة هي وجود روابط ثقافية في بورسعيد، تحديدًا في مدينة مثل بورفؤاد التي لها طابع تراثي خاص، يجب أن يكون بها مركز ثقافي على مستوى عالمي، مثل المطاعم والنوادي والمولات التي تُفتتح كل يوم».

قدم زرمبة عشرات المعارض منذ التخرج حتى الآن بمحافظات القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وخارج مصر في الإمارات وليبيا، وقام بالتدريس في كلية الهندسة بجامعة قاريونس ببنغازي، وبكلية التربية النوعية ببورسعيد، وبكلية الهندسة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا فرع أبو ظبي، إلا أن فكرة معرضه المجاني ما تزال تواجه العقبات إلى الآن.

 

تصوير: مؤمن مسعد - عاطف زرمبه أمام مرسمه ولوحاته