«إذاعة القرآن الكريم من القاهرة.. قطوف من حدائق الإيمان»، عبر الأثير في السادسة صباحًا كانت تتردد تلك الكلمات الساحرة في البيوت المصرية، معلنًا عن بدأ البرنامج اليومي لإذاعة القرآن الكريم رفيقة الأجيال السابقة، والحاضرة في وجدان الشباب منذ الصغر.
ارتبطت بتلك الكلمات، رغم إنني كنت صغيرًا ولم أعاصر الراديو بشكل متعمق، لكن أتذكر جيدًا أن والدي كان لديه راديو صغير في دكانه، لا تتغير فيه المحطة عن إذاعة القرآن الكريم، كنت أشعر الراحة النفسية عندما يتسلل لي صوت المشايخ العتيق.
منذ ثلاثة أعوام مضى تعطل راديو أبي ولم يستطع صيانته، فانتقل بحكم الحداثة إلى موقع «يوتيوب» ورغم التطور إلا أنه ما زال يبحث فيه عن أسماء قرّاء بأعينهم على قناة إذاعة القرآن الكريم على موقع «يوتيوب» مستمرًا في عادته القديمة باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
أُعيد تلك الذكريات الآن إذ يحل اليوم العالمي للإذاعة، إذ تعودت من والدي إنني لا استمع سوى لإذاعة القرآن الكريم المصرية. رغم أنه كان يمتلك وقتها تلفازًا إلا أنه لا يستمع له، وحين سألته علمت مدى ارتباطه منذ الصغر بالراديو وتحديدًا إذاعة القرآن الكريم، وقال لي: «الأصوات العتيقة تلك لا تخرج سوى منه، أتدبر كلمات القرآن جيدًا منه».
يتسق شعور أبي مع استقبال المصريين لليوم الأول لإذاعة القرآن الكريم التي لم تكن بالنسبة لهم مجرد محطة إذاعية، فيقول الكاتب عمر طاهر إن المصريين تعاملوا مع هذا الحدث على أنه معجزة، إذ جُمع القرآن الكريم ثلاث مرات الأولى في عهد الصحابي أبي بكر الصديق، والثانية على يد الصحابي عثمان بن عفان، والأخيرة جمعها الشيخ الحصري بصوته عبر أثير إذاعة القرآن الكريم.
قادت الصدفة الحصري لجمع القرآن الكريم بصوته في الإذاعة، إذ يقول طاهر إنه حين ظهرت في أوائل الستينيات القرن الماضي طبعة للمصحف بها أخطاء كثيرة، غضب المصريين فاستدعى وزير الأوقاف العالم الإسلامي كامل البوهي، الذي كان حلمه إنشاء الإذاعة ووقتها جاء الحصري ليسجل القرآن كاملًا بصوته عبر الإذاعة رافضًا الحصول على مقابل مادي.
وتم وقتها تسجيل المصحف الشريف برواية حفص عن عاصم بصوت الشيخ الحصري، ووضعت على أسطوانات، ووزعت نسخة منها على المسلمين في جميع أنحاء العالم حيث تم تصديرها للخارج.
تردد صوت «إذاعة القرآن الكريم من القاهرة» عبر الأثير في السادسة صباح يوم 20 مارس العام 1964 وكان يوافقه هجريًا 11 ذي القعدة العام 1383، وظلت رائدة وتحتل مكانتها إلى الآن رغم التطور والحداثة الحالية.
ما زالت قلوب المصريين وقلبي معهم متعلق بسماع القرآن الكريم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ محمد رفعت، والشيخ محمد صديق المنشاوي، فكلها أصوات عذبة مليئة بالاطمئنان.