مع إشراقة شمس اليوم الأول من العيد، يقف أحمد عليوة، 23 عامًا، عقب الصلاة على أطراف ساحة المسجد، يراقب أصدقاءه وهم يضحكون ويتبادلون خططهم لقضاء اليوم بين المتنزهات والزيارات العائلية. يبتسم لهم، لكنه لا يشاركهم الحديث، فقد اعتاد منذ أربع سنوات على بدء العيد بطريقة مختلفة.
بينما يتجهون إلى أماكن الفرح، يسير هو بخطوات هادئة نحو مقابر مركز دير مواس بالمنيا، يحمل في قلبه دعاءً وفاتحةً يقرأهما على روح والدته.
لم تكن زيارة المقابر عادة متوارثة في عائلته، لكنه اختارها بنفسه، مقتنعًا أن أجمل بداية ليوم العيد هي زيارة من فقدهم أولًا قبل أن يحتفل مع الأحياء. بعد أن يغادر المقابر، يشعر بأنه قادر على استقبال العيد بروح أكثر سكينة.
العيد مع من نحب
في محافظة المنيا، تحمل زيارة المقابر في العيد معاني تتجاوز الطقوس، فهي امتداد للوفاء وحنين لا ينطفئ. خلف هذه الزيارات، تختبئ قصص إنسانية مليئة بالشوق، كل منها يحمل نكهته الخاصة من الحزن والرضا والتصالح مع الفقد.
لا يفهم الجميع اختيار أحمد للمقابر في أول أيام العيد. أصدقاؤه يعاتبونه بلطف، يرون أن العيد للفرح، وأن بإمكانه زيارة والدته في أي يوم آخر.
بينما هو يقول: "لا أفكر مطلقًا في التخلي عن هذه العادة التي باتت من طقوسي الخاصة كل عيد، فهي تمنحني شعورًا بالسكينة، وكأنني أقضي اللحظات الأولى من العيد مع من افتقدتهم، ربما لا يفهم الجميع ذلك، لكن بالنسبة لي، العيد لا يكتمل دون هذه الزيارة".
يشرح أحمد أن من الطقوس التي يحرص عليها الكثيرون في زيارة القبور بالمنيا، ارتداء ألوان غامقة كنوع من الاحترام والحداد الصامت، كما تصنع ربات البيوت في المنزل "قرص" خصيصًا لهذا اليوم.
ويبدأ توزيعها فور الوصول إلى المقابر عقب قراءة الفاتحة للموتى، كما توزع الأسر الحلوى على الأطفال، وكأنها صدقة تربط بين الفقد والفرحة في آنٍ واحد.
زيارة المقابر.. طقس أساسي
يتشارك عبدالمجيد، 34 عامًا، من مركز ملوي، نفس الشعور مع أحمد، إذ يرى أن زيارة المقابر صباح العيد ليست مجرد عادة، بل طقس أساسي لا يكتمل العيد بدونه.
مع أول ضوء للصباح في العيد، يصطحب عائلته من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ إلى القبور، يقرأون الفاتحة، يدعون لأحبابهم الراحلين، ثم يعودون لاستكمال احتفالات العيد مع الأحياء.
يقول عبدالمجيد: "نحن نزور من رحلوا كما نزور الأحياء، هذا جزء من العيد بالنسبة لنا، تجعلنا نتذكرهم طوال أيام العيد وأن الفرحة بدونهم لا تكتمل".
يضيف: "الأطفال لا يشعرون بالحزن خلال هذه الزيارة، بل تربّوا على فكرة أن قراءة القرآن للأموات وفاءٌ وواجب، لا سيما أن هذه العادة متجذرة في المنيا حيث تقوم أغلب الأسر بزيارة المقابر صبيحة أول أيام العيد".
من الطقوس أيضًا في زيارة المقابر بالمنيا خلال العيد، جلوس مقرئون بين القبور يتلون آيات القرآن بصوت شجي، يستمع إليهم الزوار بخشوع، معتبرين ذلك نوعًا من الترحم على أرواح ذويهم وإهداء ثواب التلاوة لهم.
لكن مؤمن حسن، 20 عامًا، من مركز أبو قرقاص، قرر أن يخرج عن هذا التقليد خلال العيد الحالي. منذ ثماني سنوات، لم يمر عليه عيد دون أن يزور قبر والده برفقة والدته، لكن هذه المرة قرر أن يتوقف.
يقول مؤمن: "في كل عيد، بعد أن أعود من المقابر، أشعر أنني فقدت القدرة على الفرح، حاولت كثيرًا إقناع والدتي بأن نؤجل الزيارة ليوم آخر، لأن العيد وقت للسعادة، وليس للحزن والبكاء عند القبور لذا نتمسك بقراءة الفاتحة للموتى".
لا يفكر أحمد وعبدالمجيد يومًا في التخلي عن عادة زيارة المقابر صبيحة يوم العيد. بالنسبة لهما، هي جزء من طقوسه وتعبيرٌ عن الوفاء لمن رحلوا، بينما مؤمن أحبّ قراءة الفاتحة من بعيد. بين من يتمسك بالعادات القديمة ومن يبحث عن فرحة خالصة، تختلف مشاعر الفقد والاحتفال في العيد.