"عم عماد".. القبطي الذي يصنع الفوانيس الخشبية ويحبها

تصوير: عبدالرحمن خليفة - عم عماد

كتب/ت عبدالرحمن خليفة
2025-02-27 14:00:09

تمتلئ الأجواء برائحة الخشب العتيق، داخل ورشة صغيرة في شارع هدى الشعرواي بمحافظة المنيا، حيث تتناغم الأصوات بين الطرق على المسامير والشفرات التي تقطع بعناية فوانيس خشبية يصنعها عم عماد ويسميها "فانوس المحبة"، بينما تتراص مجسمات خشبية للكنائس على باب الورشة.

قضى عماد عبدالمالك، صانع الفوانيس، حياته بين الخشب الذي يحوله إلى لوحات فنية بديعة، ومع اقتراب شهر رمضان يبدأ في تصنيع الفوانيس الخشبية للأطفال، التي تتراص في زاوية ورشته بأشكالها المتعددة، بعضها يلمع بألوان دافئة، والبعض الآخر يكاد يختفي تحت طبقة من غبار يضيف طابعًا من الأصالة للأجواء.

بداية عم عماد

يبلغ عم عماد من العمر الآن 64 عامًا، ومنذ أن خرج على المعاش، تخصص في صناعة الفوانيس، لكن قصته مع الخشب بدأت منذ طفولته، حينما كان والده يشتري له فانوس رمضان كل عام، ولم يكن مجرد لعبة يفرح بها بل أصبح مصدر إلهام له.

يقول لـ"المنياوية": "فانوسي لما كان يخرب مكنتش برميه ولا أتخلى عنه لكن كنت بقعد عليه بالساعات لحد ما أصلحه، ومع مرور السنوات حسيت أن إيدي قادرة تصنع الجمال، زي عائلتي كلها اللي كانت شغالة في صناعة الأشاش الخشبي، وبقى عندي حاجة زي مهارة فطرية للتعامل مع الخشب".

ورث عم عماد الورشة عن والده، وهي من أقدم الورش الفنية في محافظة المنيا، بدأ فيها بتصنيع فوانيس رمضان، ليس المصنوعة من المعدن والزجاج التي تغزو الأسواق حاليًا، بل فوانيس خشبية تحمل لمسات من التراث المصري العريق. 

أثقل مهارته بالدراسة في قسم نجارة الأثاث، وعقب ذلك، عمل في تصنيع "الموبيليا": "قبل ما أدخل عالم الفوانيس اشتغلت في الأثاث عشان بحب الأعمال الفنية عمومًا، بعض الحاجات اللي بعملها بتكون من شغفي، وبعرضها للبيع بعد ما تخلص، وبعضها بيكون طلب من مخرجي المسارح هنا في المنيا أو طلاب كليات الفنون الجميلة".

حكايات الفرحة

يعشق عماد الذي لقبه أهل الشارع بـ"عماد القبطي صانع الفوانيس"، كما يعشق المصنوعات التي تعبر عن الفن المصري القديم، ويبدع في تصميمها بحفر دقيق وزخارف تروي قصصًا من التاريخ: "الفوانيس مش مجرد قطع من الخشب، دي أعمال فنية تدهش أي حد يمشي قدام ورشتي، عشان كدة أنا حريص أن كل قطعة تكون ليها لمسة فنية مميزة، عشان تحس وأنت بتشوفها إنك بترجع لزمان وجمال الحرف اليدوية اللي ورثناها عن أجدادنا".

أكثر ما يسعده هو شراء الأطفال الفوانيس منه، يقول: "لما يعرفوا إني مسيحي وبصنع الفوانيس والهلال وحامل المصحف ومجسمات للمساجد، بيحسوا بفرحة كبيرة، ودي بتنعكس عليا كمان، أنا دايمًا مؤمن إننا شعب واحد، مفيش فرق بين مسلم ومسيحي".

ويحكي عن الإقبال في موسم رمضان: "الناس بتيجي تشتري الفانوس الخشبي رغم إن الأسواق مليانة فوانيس تانية، لكن الفانوس الخشبي له طابع وأصالة مفيش زيها، وتكلفة الفوانيس عندنا تبدأ من 15 جنيه للفانوس الميدالية، عشان نقدر نوفر حاجات تناسب كل الناس، مهما كان الحجم اللي عايزينه، إحنا هنا بنراعي كل الزبائن واحتياجاتهم، علشان كل واحد يلاقي اللي يناسبه".

إبداع عماد لم يقتصر على صناعة الفوانيس فقط، بل امتد ليشمل أعمال أخرى مثل ديكورات المسارح والمجسمات الفنية التي أضفت لمسة جمالية على الفعاليات الثقافية في المحافظة. 

في العام الماضي، شارك في معرض المنيا بعنوان "رحلة العائلة المقدسة"، حيث أعد مجسم رائع لكنيسة دير جبل الطير، كما يساعد طلاب كلية الفنون الجميلة في تنفيذ أعمال خشبية، ويعمل في تصميم ديكورات مسرح فريق تياترو الصعيد. 

مع اقتراب شهر رمضان، تزدحم ورشة عم عماد بالزبائن، فمنهم من يأتي بحثًا عن فانوس يزين منزله قبل حلول الشهر الكريم، وآخرون يحبون رؤية صانع الفوانيس وهو ينحت الخشب كما لو كان يروي قصة جديدة مع كل فانوس يصنعه.

على بوابة ورشته الصغيرة، يقف مجسم كنيسة دير جبل الطير، يعلوه فانوس رمضان، وبجانبه حامل المصحف، وبالرغم من تقدم عم عماد في العمر لكنه لم يفقد شغفه يومًا تجاه صنعته، إذ يؤمن أن الفن لا يشيخ بل ينضج، والفوانيس ليست لعبة بل رمز للبهجة تعبر عن اقتراب شهر رمضان.

تصوير: عبدالرحمن خليفة - عم عماد صانع الفوانيس