في مركز البداري بأسيوط ووسط تجمع كبير يتكون من رجال الأمن ورجال المصالحات العرفية والكثير من الناس، جاؤوا جميعا للصلح بين عائلتين اعتصرتهم الخلافات ثارية، كانوا اولاد عمومة وبعد مشاورات من رجال المصالحات انتهى الخلاف وكان الحكم هو خروج المتعدي من البلد لمدة عشرة أعوام وجاءت الفرحة بين الطرفين.
كان الحاج عبد الباسط، كبير الشيوخ في نجع الحسون التابع لعرب بلنصوة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا، وهو كبير رجال المصالحات في محافظة المنيا، يتوسط جلسة الصلح، دعته العائلتان، فهو أحد رجال المصالحات الذين تتوسطه العائلات في مثل هذه الجلسات العرفية. يقول عبدالباسط أنه بعد انتهاء هذا الصلح كانت الفرحه من الجميع سواء الحضور أو رجال الأمن لا توصف لان هذه الخصومة كانت من أشد الخصومات العائلية الموجودة داخل المركز، وكان اهالي الخصومة لا يصدقون أنفسهم أنهم اجتمعوا وانتهى الثأر بينهم.
يمتلك الحاج عبد الباسط، 70 عامًا، عدة أراضي، يعمل بها المزارعون، بينما يخصص هو وقته للمصالحات، قائلًا: "بدأت العمل كرجل مصالحات منذ 32 عامًا، وأول صلح شاركت فيه، كان صلحًا في مركز البداري في أسيوط، حيث استطعنا بفضل الله، إنهاء خصومة بين عائلتين، وقع بينهما خلاف ثأري، نتج عنه وفاة شخصين".
لا ينتمي عبد الباسط للجنة مصالحات معينة، بل يذهب إلى أي جلسة، حال تم استدعائه لحضورها كقاض، أو محّكم عرفي، مشيرًا إلى أنه لا يتأخر عن أحد، فهو يشعر بالفرح الشديد، عندما يُنهي أي خصومة، قد تكون مستمرة لسنوات طويلة بين العائلات.
يشرب الرجل السبعيني الشاي، وهو يقول: "يوجد فارق كبير بين القاضي، وبين المحكّم العرفي، فالقاضي يعتمد في حكمه على مراجعة الأوراق والمستندات، أما القاضي العرفي، فيعتمد على شهادة الشهود، والأحكام العرفية، فيستدعي القاضي الشاهد، الذي يقسم على قول الحقيقة، وبعد الانتهاء من سماع جميع الشهود، يتشاور القاضي مع المحكّمين، ليضعوا حكمًا نهائيًا للخصومة".
بالرغم من قسم الشهود، يكذب بعضهم أحيانًا، ولكن يستطيع عبد الباسط، بسبب سنوات خبرته، التفرقة بين الكاذب والصادق، بل في بعض الأحيان يرفض الشهود التحدث، بعدما يعلمون بضرورة القسم، حيث يحذر عبد الباسط الجميع، من أن الشهادة الزور لها عواقب وخيمة.
وعن شروط الجلسات العرفية، فيقول عبد الباسط: "يجب أن يحضر الجلسة العرفية 5 محكّمون، ولكن على العكس، لا يحضر رجال الأمن جميع الجلسات، خاصة إذا كان الخلاف صغيرًا، ونفوس الناس تميل إلى الصلح، ومفيش قلق من أي نوع".
لا تستلزم الجلسات العرفية حضور الأشخاص فقط، بل تستلزم وجود بعض الصفات أيضًا، أهمها الصدق، الأمانة، الشجاعة، الحكمة، الفطنة، وسرعة البديهة، ويتم تعيين القاضي العرفي من قبل الناس، الذين يختارون من يريدونه ليحكم بينهم، ليتقبلوا حكمه في النهاية، كما يجب أن يكون هذا القاضي معتمدًا من رجال الشرطة، ولا يحصل القاضي على أي مقابل مادي، بل يكون عمله تطوعيًا، من أجل إنهاء الخصومة بين الناس.
تختلف الأحكام العرفية بين محافظة وأخرى، فيقول عبد الباسط: "تختلف الأحكام العرفية بين محافظات وجه قبلي، ووجه بحري، فالديّة في محافظات الوجه القبلي تقدّر بمبلغ مليون جنيهًا ونصف، أي ما يعادل ناقة، التي يختلف سعرها في محافظات الوجه البحري، حيث يتراوح بين 500، و600 ألف جنيهًا".
لسنوات، تعلم عبد الباسط القوانين العرفية، وذلك من خلال قراءته لدستور "حمورابي"، وهو مجموعة قوانين، سجلها الملك السادس لملوك بابل في العراق، دستور كُتب، قبل نزول الدين المسيحي، والإسلامي.
لا يتذكر عبد الباسط عدد الجلسات العرفية التي حضرها، ولكنه يتذكر جيدًا أبرزها، قائلًا: "حضرت جلسة عرفية كانت صعبة، لأن العائلتين كانا أولاد عمومة، قُتل منهم 5 أشخاص، فكان يجب أن نصلح بينهم، وحققنا ذلك بالفعل".
اعتلت ملامح الحزن على وجه عبد الباسط، عندما قال إنه بالرغم من مرور سنوات طويلة، انتشرت فيها الجلسات العرفية، وطالب خلالها الجميع بالقضاء على الثأر، إلا أنه مازال موجودًا، قائلًا: "قلّت نسبة الثأر، ولكن ما اختفى، بس بنحاول ننهيه كل يوم".
تصوير: صورة أرشيفية
كتب/ت عبدالرحمن خليفة
2023-01-26 00:00:00