في يناير 2024، نفدت علبة الدواء الخاصة بزينب أحمد التي تكفيها لشهر واحد لعلاج مشاكل ببشرة الوجه، وبعد التردد إلى عدة صيدليات كانت الإجابة واحدة "ناقص في السوق"، حينها يأست زينب من البحث وراء الدواء، وبعدها تواصلت مع طبيب الجلدية لاختيار دواء بديل، فوصف لها دواءً بديلا "سعر الدوا البديل كان بنفس سعر الدواء الأصلي بـ300 جنيه، لكن أقل فاعلية من النوع القديم، وبيحصل أعراض جانبية زي الأرق، لكن أنا معنديش خيار آخر، وبعد ما تحسّن وجهي قليلًا، قررت التوقف عن الدواء بالامتناع عن العادات الخطأ زي أكل المخللات والشطة اللي حذرني منها الدكتور".
خلال اجتماع عقده أمس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء لمتابعة حل مشكلة الدواء، شرح وزير الصحة والسكان، خالد عبد الغفار، أبعاد الأزمة التي أوضح أن نقص السيولة الدولارية خلال الفترة الماضية، أثّرت على إنتاج شركات تصنيع الأدوية، وتوافرها في بالأسواق، وأكد على بدء انفراج الأزمة مع توافر السيولة الدولارية، وستنتهي المشكلة خلال الأسابيع المقبلة.
حال زينب كان أقل خطورة من هدية عبدالرحمن، التي بدأت في مطلع يوليو الجاري البحث عن دواء "كونكور" لعلاج ارتفاع ضغط الدم، الذي بحثت عنه في صيدليات المدينة ولم تجده حتى الآن، مُوضحة "مرّ أسبوع دون استخدام الدواء، بحث أقاربي عن الدواء في المراكز الأخرى أملًا في إيجاد بأي ثمن قبل أن تتضاعف آلامي، لكن لم أحاول الاتصال بالخط الساخن لمعرفة وجود الدواء المطلوب، وكان سعر الدواء بين 80 جنيهًا ووصل سعره الآن 100 جنيه". أما صابرين سيد، فبعد يأس من إيجاد دواء علاج ضغط الدم قُرابة أسبوعين من البحث، قررت تناول الدواء البديل له الذي قرره الطبيب الخاص بها "الدواء البديل سبّب لي متاعب صحية أثرت على ارتفاع الضغط، لكن معنديش خيار تاني، يكفي زيادة سعره هذا الشهر من 70 إلى 90 جنيه".
بعد رحلة بحث في الصيدليات استغرقت أسبوعين، لشراء دواء الأملاح، قررت ياسمين بدر الاتجاه لحل آخر لتسكين آلامها، وهو شرب أعشاب من العطارة "أقضي يومي في غلي الأعشاب حتى أستطيع مواصلة أعمالي اليومية، بدلًا من البحث عن الدواء الذي لا أعرف متى سأحصل عليه مره أخرى".
وفقًا لبيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في يوليو 2024، انخفض الرقم القياسي لصناعة المستحضرات الصيدلانية والكيميائية والدوائية إلى 78.27% خلال شهــر أبريل 2024، مُقارنة بشهر مارس 2024، حيث بلغ 92.22% بنسبة انخفاض قدرها 15.13%، وذلك بسبب عدم توافر المواد الأولية اللازمة للمنتج.
جائحة الكورونا والحرب الروسية
وبحسب ثلاث صيادلة تحدثوا لعين الأسواني عن نقص أدوية الأمراض المزمنة الضغط والسكر والغدة، قال محمد سفيان، إن مشكلة الدواء بدأت في الظهور عام 2016، وتطورت عام 2020 مع زيادة الطلب على الأدوية خلال انتشار جائحة كورونا، وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
ويوضح بقوله "مشكلة وجود نقص الأدوية وصلت ذروتها منذ عامين، خاصة مع تحرير سعر الصرف الذي أدى لوجود فرق في العملة المطلوبة للاستيراد، مُضيفًا "نسبة زيادة أسعار الأدوية الآن تتراوح بين 30 لـ 50%، وبعض الفيتامينات زاد سعرها من 100 لـ 150 جنيه، وبعض أدوية السكر من 190 إلى 230 جنيه، والمضادات من 120 إلى 173 جنيه”.
وهذا ما أكدته الصيدلانية مروة هاشم، بقولها إن أدوية الضغط والسكري والغدة تعاني من نقص شديد في بعض التركيزات المختلفة في تركيبات الأدوية، إلى جانب بدائل من الأدوية ليس لديهم معرفة عن إمكانية توفرها أم ستختفي، فضلًا عن زيادة سعر الدواء بشكل مستمر "كل منتج بنطلبه بنلاقي سعر جديدة من الشركة، أسعار الأدوية زادت تقريبًا 50%". تطور أزمة نقص الأدوية بدأ فعليًا في النصف الثاني لعام 2023، كما تؤكد الصيدلانية ضحى حسن، مثل أدوية السكر والضغط والأملاح، لتصل الزيادة لأكثر من 50%، فيما تقول إن بعض المرضى لا يقبلون شراء بديل الدواء الناقص، مُقتنعين بحديث الطبيب الخاص، وتؤكد على أن بعض الأدوية البديلة ليست لها نفس تأثير الدواء الأصلي مثل بعض أدوية السكر.
خطة لزيادة الأسعار والمريض "مش ع البال"
خلال مؤتمر صحفي عقده مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في 9 يوليو 2024، قال إن هناك خطة لزيادة أسعار الأدوية تدريجيًا حتى نهاية العام، وأوضح أنه بعد تحرير سعر الدولار ارتفعت الأسعار على الشركات ما أدى إلى وقوع خسائر، وأكد على أن ثمّة اتفاقًا بين الحكومة وشركات الأدوية على تحريك محسوب بنسب مقبولة لأسعار الأدوية.
رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، علي عوف، أوضح لعين الأسواني، أن أسباب نقص الأدوية في السوق تعود إلى عجز شركات الأدوية في تدبير العملة لشراء المواد الخام، خاصة بعد تحرير سعر الصرف الذي شهد فارقًا كبيرًا، وعدم امتلاكهم سيولة كافية مما أدى إلى خسائر الشركات.
وبشأن توقعات انتهاء الأزمة، أشار عوف إلى أنه خلال عشرة أيام ستبدأ السوق في التحسن، وبعد ضخ سلاسل الإنتاج في المنافذ ووصولها إلى الصيدليات، يمكن أن يحدث تغيير ملموس في أسواق الأدوية بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع في محافظة أسوان.
ويتوقع رئيس الشعبة انخفاض الظاهرة، موضحًا أن نواقص الأدوية ستظلّ موجودة، لكن بنسبة أقل، إذ يسعى إلى تخفيض عدد الأدوية الناقصة من ألف نوع إلى 100 تقريبًا، فيما أشار إلى أن أزمة الدولار على صناعة الدواء، لا تقتصر فقط على ارتفاع سعر الدواء، بل أثرت أيضًا على ماكينات التشغيل بالمصانع "لأن وجود عطل في التشغيل بالمصانع أصبحت تحتاج أشهر للتصليح، مما أدى إلى توقف عملية الإنتاج لفترة"، فضلًا عن حاجة شركات القطاع العام إلى تحديث خطوط إنتاجها "فبعض الشركات تعاني حاليًا من نقص لعدم وجود مخزون يكفي لعامين".