سمحت هيئة الدواء المصرية لشركات الأدوية العاملة بالسوق المحلي برفع أسعار عدد كبير من أصناف الأدوية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 25% لأدوية الأمراض المزمنة، وبنسبة تصل إلى 50% لأدوية الفيتامينات والمكملات الغذائية، الأمر الذي أغضب عديدين، خاصة أنه يأتي مصحوبًا بنقص الأدوية.
ويعاني كثيرون في الوقت الحالي من نقص الأدوية، ومن بينهم اعتماد محمد -44 عام- التي استمرت في البحث لساعات في الصيدليات، عن دواء مخ وأعصاب لوالدتها، التي بلغت من العمر 77 عامًا، ولمدة عام ظلت تتردد على العيادات بسبب آثار جلطة في المخ، وأخذت تعالج آثار الجلطة، ولثلاثة أشهر عانت السيدة من عدم حصولها على دواء يعالج لديها قلة التركيز.
وتقول اعتماد إنها لا تجده نهائيًا، كما أن الطبيب لم يوافق على كتابة دواء بديل لها، ولاحظت الابنة أن نقص ذلك الدواء جعل تركيزها أقل، كما عانت من الخمول الدائم.
حاولت اعتماد الوصول إلى ذلك الدواء بشتى الطرق، حتى أنها أخبرت جميع أقاربها ومعارفها لمساعدتها في الوصول إليها، وبشقّ الأنفس تمكنت من الحصول على 4 عبوات.
وخلال العام السابق، اختفت بعض الأدوية من الصيدليات، تحديدًا تلك الخاصة بالأمراض المزمنة، ومن أشهرهم أزمة نقص دواء الغدة الدرقية، التي كانت في يوليو الماضي، حتى أن النائب هشام حسين تقدم لمجلس النواب، بطلب إحاطة لرئيس المجلس بتوفير دواء الغدة، ونقل معاناة المرضى الصحية التي يتعرضون لها بسبب نقص الدواء.
ويقول علي عوف، رئيس شعبة الأدوية، لـ"صوت السلام"، إن أزمة نقص الأدوية مُفتعلة، فالأدوية المسجلة في مصر نحو 17 ألف دواء، بينما الأدوية الأكثر تداولًا بين الأطباء والمستخدمين 4 آلاف فقط، وأضاف أنه خلال الأزمة نقص منهم ألف دواء فقط، مُوضحًا أن تلك الأدوية لها بدائل بنفس المادة الفعالة في 17 ألف نوع مسجلين بالفعل، وفي رأيه أن الخطأ مصدره الأطباء الذين يروجوا لعدد محدد من الأدوية طبقًا لترويجهم لبعض الشركات، لأنها إحدى طرق الدعاية التي تقوم بها شركات الدواء.
ويُوضح عوف بقوله "الطبيعي في كل الدول أن الطبيب يكتب الدواء بالاسم العلمي والمادة الفعالة، والصيدلي يصرف بالمتاح والمتناسب ماديًا مع المريض، لأن من دور الدولة توفير أكثر من دواء بأسعار مختلفة بنفس المادة الفعالة، حتى يضمن حق المواطن في الحصول على علاج ورعاية طبية، لكن ما يحدث من أطباء مصر هو كتابة الاسم التجاري للدواء، دون الاهتمام لدور الصيدلي أو امكانية المريض"، ويضيف "مفيش أزمة اسمها النواقص في مصر".
بداخل صيدلية وبجانب رفوف ممتلئة، طلبت نورا فتحي دواء، ردّ الصيدلي "الدواء ده ناقص"، خرجت نورا من الصيدلية تفكر في صيدلية أخرى تبحث فيها عن دواء مخ وأعصاب لها، بالإضافة إلى دواء ضغط الدم لوالدها، ولاحظت نورا تلك الأزمة منذ بداية العام، لكنها اشتدّت خلال الشهر الجاري، ولم تجد الأدوية التي تحتاجها نهائيًا خلال الأسبوع الحالي.
لجأت نورا للحلول البديلة مثل "الكركديه" الذي سيكون حل مع الضغط المرتفع لوالدها، وأخذ مسكنات للصداع الذي يُصاحبها بسبب عدم تناول دواء المخ والأعصاب، فينما تحاول في الوقت نفسه البحث عنها عبر مجموعات "الفيسبوك"، والاتصال بالصيدليات الكبرى، لكن كل المحاولات تبوء بالفشل حتى الآن "طبيب الباطنية رفض إعطاء والدي بديل لدواء الضغط بحجة أن هذه المادة الفعالة ستكون الأنسب لحالته"، كما تقول نورا.
بينما أعطى طبيب نورا دوائين كبديل لكنه بسعر أعلى، فضلَا عن عدم توفرهم، وكان تفسير الصيدلية "بسبب ضغط الشراء عليهم كبدائل".
أطلقت هيئة الدواء المصرية رقم خط ساخن 15301، للاستفسار عن نواقص الأدوية وشكاوي المواطنين، أجرت "صوت السلام" مكالمة للخط، للاستفسار عن دواء ضغط وسكر شائعين، لكنهم ضمن الأدوية الناقصة في السوق، أجابت خدمة العملاء أن الدواء متوفر في المنافذ الحكومية، وهما صيدلية إسعاف القاهرة والأميرية، وعلى مستوى المحافظات فهم غير موجودين سوى بصيدلية أسيوط والإسكندرية، مُوضحين أن الإجراءات تلزم توافر "روشتة" المريض بختم من الدكتور، حتى يستطيع صرف الدواء.
وبسؤال خدمة العملاء عن سبب نقص تلك الأدوية في الصيدليات الخاصة، التي توفر خدمة القرب الجغرافي من المريض، في حالة الدواء الضروري، أجاب أن الأمر يعود إلى شركات الأدوية وأولوياتها في التوزيع.
في 6 مارس الماضي، كانت بداية الأزمة لأدوية الأمراض المزمنة، وحسبما صّرح عوف، فإن الأزمة جاءت بسبب عدم قدرة شركات الدواء دفع المبلغ المطلوب منها في الجمارك، فقد كان المبلغ المطلوب منهم للبنك هو مليون دولار، وقتها كان سعر الدولار 31 جنيه، لكن في صباح السابع من مارس حدث تحريك لسعر الصرف، ووصل الدولار إلى 51 جنيه، مما سبب فارق في المبلغ المدفوع، ولم تتمكن بعض الشركات من دفع الفارق.
خلال شهري أبريل ومايو، حصلت الشركات على المواد الفعالة على مراحل، كلما وفرت جزء من المبلغ، مما خفّض حجم إنتاج الشركات التي لم يناسب السوق واحتياجات مرضى الأمراض المزمنة، وأضاف عوف "الدولة كانت لابد أن تتخذ الإجراءات المناسبة التي لا تؤثر على صحة المواطنين".
سألت "صوت السلام" سلسلة صيدليات خاصة شهيرة في مصر، عن توافر دواء الضغط والسكر، الذي أكدت خدمة عملاء هيئة الدواء عن توافره لدى منافذها، رد أحد أفراد خدمة العملاء بتوافر الدواء المطلوب في 4 فروع بالقاهرة فقط، بينما تملك السلسلة 50 فرعًا في أنحاء القاهرة، ولابد من حجزه أو سرعة التوجه لشرائه لأنه سينفد في خلال يوم أو يومان بسبب نقصه خلال الشهور السابقة، مما يعني زيادة الضغط على طلبه.
بداخل صيدلية خاصة صغيرة بدار السلام، يقف محمود عبد الرحمن -صيدلي- يبيع الدواء للزبائن ويرد على أسئلتهم، التي من ضمنها رد مألوف لشهور وهو "الدواء ده ناقص.. معرفش هيبقي موجود امتى"، يسرد عد الرحمن حالة سوق الدواء خلال الشهور السابقة، أن النواقص الأصعب كانت للغدة والسكر والقلب، وبعض أدوية الضغط الشائعة، لأن التأثير والشح كان واضحًا على المرضى، وحاول مساعدتهم باقتراح بدائل، لكن البعض كان يرفض حتى يأخذ موافقة الطبيب على البديل.
يوضح عبد الرحمن، أن رفع سعر الأدوية متوقع، تحديدًا بعد أزمة استحواذ المستثمرين الأجانب على بعض شركات الدواء المصرية، إلى جانب رفع السعر سنويًا لفيتامينات والمسكنات والمضادات الحيوية، باعتبارها رفاهية، بينما النسبة المتوقعة خلال الشهور القادمة لدواء الأمراض المزمنة 20%.
ويجيب عوف عن القلق بشأن رفع أسعار الأدوية، مُوضحًا "من بين 17 ألف دواء مسجل بالهيئة، قدّم على 1000 نوع فقط لرفع سعرهم من الشركات، أقل من ربع العدد، وسبب التقديم على الرفع مُتعلّق بالإنتاج والدولار، لذلك قررت الشعبة البدء في رفع السعر بعد إجازة العيد، ليكون لكل شهر من 150 إلى 200 نوع دواء النصيب من التغير في السعر"، وأكد على أن الارتفاع سيكون بشكل تدريجي، مع ضرورة التشديد على الاحتفاظ بالسعر القديم للمخزون.
وتندهش اعتماد من قرار رفع الأسعار، فدواء والدتها وصل لـ٣٠٠ جنيه، وتتساءل "هيغلي إيه أكتر من كده؟"، فهي غير متفقة مع قرار رفع سعر أدوية الامراض المزمنة، لأن حياة وصحة المرضى لا يجب أن تتداخل مع أزمة الدولار وغيرها، ولابد أن يكون لها الأولوية، بينما تختلف نورا معها في الرأي، إذ تعتقد أن رفع السعر سوف يساعد في توافر الأدوية، وذلك في حالة زيادته بمعدل بسيط لا يؤثر على ميزانية المرضي.