وسط مشهد يومي عادي، تنطلق عشرات المراكب الشراعية في نهر النيل، وعلى الشاطئ الموازي للمرسى، يجلس سعد الحمامي تحت شجرة في إحدى الحدائق التي تطل على كورنيش النيل، حيث يعمل على قص وخياطة قماش قطني يتعدى طوله خمسة أمتار، مُستغلًا المساحة الواسعة في الحديقة لفرش ومُعاينة شكل الشراع أثناء تفصيله.
خمسون عامًا قضاها سعد في عالم المراكب، إذ يُعدّ واحدًا من أبرز حرفيي صناعة وتفصيل أشرعة المراكب الشراعية في مدينة أسوان، على الرغم من أصوله الزراعية في مسقط رأسه بقرية الرمادي بمركز إدفو. بدأت علاقة سعد بنهر النيل في سن السادسة كما يروي لـ"عين الأسواني": "كنت أشاهد كيفية تفصيل الشراع وأنا صغير، وأحببت المهنة ورغبت في التعلم دون أن أطلب من أحد أن يعلمني".
ويضيف "الحمامي" قائلا: كان والدي وعمي يصطحباني، وأشاهد شخص اسمه "حسن" يعمل في صناعة الأشرعة يدويًا، وأذكر أنه كان نوبيًا يأتي إلينا من قرى التهجير، وهي القرى النوبية الواقعة بالقرب من مركز نصر النوبة، والتي تم تسكين أبناء القرى النوبية بها، بعد تهجيرهم في ستينيات القرن الماضي، من قراهم الأصلية التي كانت على ضفاف نيل أسوان ، والتي أغرقت أثناء بناء السد العالي.
في بداية تعلمه استخدم سعد قطعة صغيرة من القماش لتدريب يديه على صناعة الشراع حتى أصبح ماهرًا فيها، بالإضافة إلى مهارات النجارة التي تعلّمها من نجار يُدعى "الحاج مهدي"، لتُمكّنه من التعامل مع هياكل المراكب الشراعية.
عمل عم سعد خلال حياته في عدة مجالات؛ منها صيد الأسماك بأسوان، والعمل في معديات النهر والبواخر السياحية ونقل البضائع عبر النيل، وكانت أول وظيفة له في تفصيل أشرع المراكب في ستينيات القرن الماضي مع صاحب مركب، كان نوبيًا يعيش في أسوان، واستمر في هذه المهنة حتى وقتنا الحالي، مُتنقلًا بين قريته في إدفو ومدينة أسوان.
يؤكد سعد الحمامي أن الاستخدام الأصلي للمراكب الشراعية كان نقل البضائع بين المدن، ولكن مع مرور الزمن أصبحت شائعة في الرحلات السياحية. لتصنيع شراع المركب، يستخدم سعد أقمشة من القطن تُصنع في مدينة المحلة الكبرى، ويوضح: "تُقصّ الأتواب إلى أشرطة بأطوال تناسب كل صاري للمركب، ثم يُحاك كل جانب بخيوط مُثبّتة من الخارج، وبعد الانتهاء من تفصيل التوب، يجري تركيبه على المركب".
يحتاج سعد حوالي أربعة أيام لتفصيل شراع المركب إذا كان يعمل بمفرده، حتى يستطيع حساب أطوال الشراع دون خطأ بعد شدّ كل جانب ليأخذ في النهاية شكل المثلث، بعد ذلك، يُنقل المركب إلى مرسى النيل لتركيب الشراع.
ويُثبّت الشراع على العمود الخشبي بمساعدة عدد من الأشخاص، حيث يصعد أحد الشباب على العمود المُجهّز بسلم خارجي لتثبيت مقدمة الشراع، ويساعده زملائه في ربط الشراع باستخدام الحبال وتثبيته جيدًا حتى يتحمل تيارات الهواء في فترة تستغرق نحو أربع ساعات مع عم سعد.
تصل تكلفة تفصيل شراع المركب إلى حوالي ستة آلاف جنيه، وتشمل التكاليف اليد العاملة والمواد مثل الخيوط والحبال. يُبحر المركب بعد الانتهاء من تركيب الشراع، وفي فترات انخفاض النشاط السياحي، تُستغلّ تلك الفترات لإجراء صيانة للشراع.
وإلى جانب رحلات النيل السياحية داخل أسوان، تُنظم المراكب رحلات سياحية أخرى تمتد من أسوان إلى القاهرة، برفقة حراسة تابعة لشرطة السياحة لاستكشاف معالم المدن المختلفة.