فور إنهاء "شريفة"، السيدة الخمسينية أعمال المنزل، تقتنص من جدولها المزدحم بالمهام بضعة دقائق، تجلس فيها بإحدى أركان المنزل؛ لاستكمال حياكة المشغولات اليدوية التي بدأت في العمل عليها.
تضع أمامها على منضدة أطباق الخرز بألوانه المختلفة، لتختار من بينها اللون المناسب للعُقد الذي بين يديها.
أكثر من ربع قرن قضتها، شريفة عبدالعظيم، في صناعة الحُلي والحقائب من الخرز، هو عمل جانبي وليس أساسي، كما شاركت في بيع الملابس الجاهزة والمفروشات، ثم استقرت أخيرًا في إحدى حضانات الأطفال.
في قريتها "هيصا" النوبية، تحترف النساء الأعمال اليدوية من الخرز والأنوال وغيرها، لكن على عكسهن فإن "شريفة" قادتها الصدفة للعمل في المشغولات اليدوية.
تقول: “كنت أمر في طريق بجوار مكتبة العقاد عام 1997 حين وجدت إعلانًا عن ورشة لتعليم الخرز، فورًا انضممت لها ثم تعلمت وجربت حياكة قطع مختلفة، شاركت في ورش أخرى إلى أن استقر حبي للخرز فقط".
باعت "شريفة" أول منتج في حياتها وهو عُقد من الخرز مقابل 25 جنيه، وحين فعلت ذلك غمرتها السعادة.
تقول: “منتجي أقوم بتقفيله بشكل نهائي مثل الجاهز، ولا أبيع قطعة لا تليق بي".
طوال سنوات جابت "شريفة" الأسواق والمحلات وراقبت المنتجات لتطوير مهاراتها ومعرفة الجديد في السوق.
ومن منزلها استطاعت إنتاج عينات من المشغولات اليدوية عرضتها في البداية على معارفها وأصدقائها الذين قاموا ببيعها.
واتخذت "شريفة" من المناسبات السياحية المقامة في أسوان فرصة لعرض وتسويق منتجاتها، ومنها فعاليات تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، بالإضافة إلى المعارض الحرفية التي تقام داخل وخارج أسوان.
على منضدة العرض وضعت حقيبة صنعتها ودمجت بها الخرز، وزودتها بأغطية المشروبات الغازية، تقول: “دمجت الأغطية مع الخرز وهي قطع غير متوفرة بأسوان واشتريها من تجار بالقاهرة يوردون لي كمية منها لابتكار أشكال مختلفة أنافس بها".
وتستعد "شريفة" لعملها مع بداية الصيف وقبل فصل الشتاء تكون قد انتهت من صناعة منتجاتها، تقول: “موسم السياحة الشتوية الأفضل لبيع المعروضات إذ يرتفع الإقبال من السياح الأجانب والمصريين أيضًا".
وتضيف ضاحكة: “احنا بنكسب دهب.. لكنني أصنع كميات محدودة حسب قدرتي، ولا أتخذ من الأمر حرفة ثابتة رغم عائدها المادي المهم، وأنا أعمل من منزلي فقط وهو ما لا يحملني تكاليف أخرى مثل الأخريات ممن يدفعون مصاريف إيجار ونقل وفواتير مرافق، لكن بسببه التسويق لا يتم بشكل جيد، ولا أمانع في البيع بالخسارة لقطعة يدوية، وأفضل ألا أجازف، فالعمل على أرض ثابتة بمكسب قليل أفضل من مكسب كبير مع خطر".
ورغم رضائها بالمكسب القليل، فإن "شريفة" تعترف بأن العمل اليدوي مكلف ومجهد، تقول: “أحسب تكلفة المواد الخام ثم مصنعيتي وأبيع بسعر الجملة، حتى يستطيع الآخرون بيعها لي بالسعر المناسب، وفي وقت سابق كان سعر البيع مناسب والأسعار جيدة، والآن لا، ولذا فسعر بيع القطعة ارتفع عن السابق".
والعمل في المنزل هو الخيار الأفضل لـ"شريفة" لكنها لازالت تتمنى مقرًا دائمًا لها يدعم تسويق منتجاتها، وخلق فرصة في تعلم الجديد في حرفتها، خاصة وأن الورش التدريبية التي تشارك فيها تفتح لها بابًا للتسويق بعد انتهاء التدريب".
وتواجه "شريفة" وهي في عمرها الرابع والخمسين تحديًا في اشتراط معظم الورش التدريبية ألا يزيد السن على 50 عامًا، تقول: “هذا قرار ظالم لي ولغيري".
وتعرف هي سيدات من قرى غرب سهيل وهيصا فوق الخمسين ولديهن الخبرة الجيدة في أصول الحرفة، "أيديهن تتلف في حرير"، ولديهن الاستعداد لتعليم الآخرين، لكنهن لا يراوحن بيوتهن.
تختتم "شريفة" حديثها قائلة وهي تنظر لطبق من الخرز أمامها: “هم لهن الحق في الحصول على فرصة لتعلم الجديد والورش التدريبية باب للدعاية والتسويق بالمعارض".