ظلًّ العریف مجند عبد الكریم بیومي، يومين داخل إحدى الحفر في ساحة المعركة، بعدما ألقى جيش العدو قنبلة أصابت كتيبته في 16 من أكتوبر 1973م.
لم يعرف بيومي أنه كان الناجي الوحيد من كتيبته، حتى عثر عليه بعض الجنود المصريين خلال بحثهم عن جرحى، أو شهداء في محيط المنطقة؛ إذ تعرف علیه حسین مرسي ـ أحد المسعفین ـ لأنه كان "بلدياته" من السباعية بمركز إدفو في أسوان.
تروي آمال عبد الكريم بيومي لـ"عين الأسواني" قصة حياة أبيها، الذي توفي في مدينة السباعية عام 2009م، قبل أن يأخذ معاش المحاربين ـ بحسب قولها ـ.
ووُلد بها العريف مجند عبدالكريم بيومي، في الثاني من أكتوبر عام 1945، وتخرج في مدرسة المعلمين، وعمل ناظرًا للمدرسة الابتدائية، كما شارك في حرب 67 ، وحرب أكتوبر.
تروي آمال: "ولدت أول البنات لأبي في السادس من أكتوبر 1973، وقتما كان على الجبهة، فقد كان والدي يعشق تراب مصر، ويدرك أهمية كل شبر فيها، حتى أنه أرسل لعمي الذي كان يعمل في ليبيا حفنة من تراب سيناء كهدية غالية من الوطن".
وتتابع: "في 16 من أكتوبر أُصيب بعد انكشاف كتيبته للعدو، الذي ألقى عليهم قنبلة أدت لاستشهاد أفراد الكتيبة باستثناء والدي الذي دفعته قوة الانفجار إلى إحدى الحفر".
وبشيء من التعجب تكمل: "مرت على أبي كثير من الدبابات عندما كان في الحفرة، إلا أنها تسببت في تراكم الرمال عليه، وهو ما أنقذ حياته وأخفاه عن أعين العدو تمامًا، فضلًا عن أن الرمال منعت نزيف الجرح، فأنقذته من فقد مزيد من الدماء".
وعن إنقاذه تقول: "اعتقد الجنود المصريين أن أبي توفي عندما عثروا عليه، إلا أنهم عندما هموا بدفنه تحركت سبابته لتعلمهم بأنه لا يزال حيًا، ونقلوه لإحدى المستشفيات التي رفضت استقباله لكثافة العدد بها، إلا أنها قُصفت بعد ساعات من مغادرته لينجو بحياته مرة أخرى".
وتًكمل: "نُقل أبي إلى مستشفى ألماظة لمدة يومين، وبعدها لمستشفى بنها العام لاستكمال العلاج، لكنه أصيب بصدمة نفسية بسبب معايشته لمشاهد موت أصدقائه، وتحول الجثث لأشلاء في ساحات المعركة".
وبصوت يمتزج فيه الفخر بالأسى، تختتم حديثها: "عاش أبي يفتخر بدفاعه عن أرض بلده، إلا أنه لم يحصل على معاش المحاربين حتى وافته المنية، لقد حاولنا كثيرًا ولم تساعدنا المستشفيات التي تعالج بها بعد إصابته، ويئسنا من المحاولات رغم وجود الأوراق التي تثبت موقفه".