بيسان

تصميم رياض عادل

كتب/ت شهد الهيثم
2024-06-08 12:20:09

أبحث عن عائلتي وسط الدمار والبيوت المُتهدّمة من الانفجارات، أشعر أنني ضائعة في هذه الحياة، فلا يوجد أي أمل ولا فائدة من البحث عن أمي وأبي تحت أنقاض المنازل، أتساءل هل ما يزالوا على قيد الحياة أم رحلوا عنها بالفعل.

أنا الناجية الوحيدة من عائلتي بعد استشهادهم بقصف الاحتلال، أشعر حاليًا بعدم الجدوى، أفكر في الانتحار، لا تستغربوا! فلستُ الوحيدة التي تُعاني من الأفكار الانتحارية، فذلك بسبب التطهير العرقي الذي يفعله الاحتلال الصهيوني منذ 76 عامًا حتى وقتنا هذا.

آه نسيت أعرفكم بنفسي… أنا بيسان، فتاة فلسطينية أبلغ من العمر 20 عامًا، أعيش في غزة، لكن جدي كان يعيش في يافا التي تقع اليوم ضمن بلدية "تل أبيب"، وفي أيام النكبة عام 1984، منذ 76 عامًا اعتدت القوات الصهيونية على جدي وجدتي بالضرب وأجبروهم على الخروج، حيث هُجر كثير من الفلسطينيين، واضطر جدي للذهاب إلى غزة.

هناك وُلدت وسُمّيت بيسان، نسبة لقرية بيسان الفلسطينية، وحينما انتقل أهلي إلى غزة تربيت وسط العائلة، كنت سعيدة برفقتهم، لم أشعر بالغُصّة التي ظلّت في حلق جدي، سوى حينما تحول بيتي إلى رُكام في 8 أكتوبر الماضي، فقدتهم جميعًا، ولم يتبقْ لي سوى الذكريات التي تُعيد لي تلك اللحظات. أنا الآن أجلس في خيمة مع أشخاص لا أعرفهم، وكلما نظرت إلى ساعة يدي تذكرت السوار الذي كنت أرتديه منذ خمسة عشر عامًا، فكانت أغلى ما امتلكت، فقد أهداني جدي إياه في عيد ميلادي منذ أن كنت طفلة في الخامسة من عمرها، لا أدري ماذا جرى به؟ هل لا يزال تحت الركام؟ أم تناثرت قِطعه مثلما تتناثر أشلائنا؟

تُلاحقني الذكريات؛ أتذكر أبي عندما كان ينتظرني أمام المدرسة وأعود معه ومع أصدقائي حاملين الآيس كريم الذي نتلذذ بطعمه طوال الطريق، كل هذا تحوّل إلى سراب، بعد إطلاق صاروخ إسرائيلي تجاه منزلنا الجميل الذي كان يحوي أشجار الزيتون أمامه.

أحاول بقدر الإمكان التعايش مع هذا الوضع القاتل لكل معاني الانسانية، فبعد أن كنت فتاة مُدللة تجلس طوال اليوم داخل غرفتها ووسط عرائسها، أنام كل ليلة في خيمة لا تمنع برد الشتاء ولا حرارة الشمس الحارقة أثناء الصيف، كما أحصل على شربة الماء بعد عدة معارك؛ فأشعر أني ملكت الدنيا وما فيها لأروي ظمئي، أستيقظ كل يوم لأذهب أبيع بعض المشروبات حتى أستطيع شراء كسرة خبز في نهاية اليوم.

لستُ بخير، ولا يجب أن يشعر أحد في هذا الوضع أنه بخير.

يناير 2024

بيسان، غزة