وقود للعنف..  لماذا يصوّر مصريون جرائم الذبح في الشوارع؟

تصوير: موقع Flickr - تصوير الجرائم

كتب/ت رفيدة أشرف
2025-02-19 12:53:49

في مطلع يناير الماضي، استيقظت مي حسين، ١٧ عامًا، على واقعة مفزعة حدثت في قرية دار السلام بمحافظة سوهاج التي تقطن بها، إذ ذبح مواطن جاره وفصل رأسه عن جسده وسار بها، شاهدت مي مقطع الفيديو للدماء وتفاصيل الجريمة وهي تتصفح موقع "فيس بوك"، بعدما تداول رواد الموقع مقطع الفيديو المصور على أوسع نطاق.

أثر الفيديو بما يحتويه من مشاهد مروعة على مي بشدة، لا سيما أنها خلال الفترة الأخيرة تعرضت لأكثر من مقطع فيديو يخص جرائم قتل وذبح، تُنشر بعشوائية على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعلها لا تشعر بالأمان: "لا أعرف لماذا يصور البعض جرائم ذبح وينشرها بهذه الصورة المفزعة، التي تجعلني لا أشعر بالأمان وتفقدني التركيز ويلازمني شعور الخوف والإحباط لا سيما أنني أشاهدها بدون رغبة مني هي تظهر أثناء التصفح".

ما تشعر به مي ربما يتعرض له أكثر من 45 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في مصر بفائتهم العمرية المختلفة؛ بسبب "هوس تصوير الجرائم" ونشرها بما تحتويه من دماء ومشاهد مروعة مثل الذبح والقتل. يعتبر البعض أن تصوير الجرائم وسيلة للتوثيق، بيد أن لها جانب آخر سلبي وهو تنامي شعور الخوف لدى البعض، وتعميق مشاعر اللامبالاة نتيجة الاعتياد على مشاهدة مثل تلك المقاطع بشكل يومي.

التأثير النفسي

يؤكد الدكتور محمد جمال، أخصائي الطب النفسي في وزارة التربية والتعليم، أن التعرض المستمر لمشاهد العنف يؤثر بشكل سلبي على استجابة الدماغ بطرق متعددة، تتراوح من التبلد العاطفي وزيادة العدوانية إلى ضعف التحكم في المشاعر، مبينًا أن هذا التأثير يكون أكثر خطورة على الأطفال والمراهقين.

بحسب دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية العام 2023، فإن الفئة العمرية التي تقل عن 24 عامًا هي الأكثر استخدامًا للإنترنت، تليها فئة 25-34 عامًا بنسبة 32٪، ثم فئة 35-44 عامًا بنسبة 11٪، في حين أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 44 عامًا تصل إلى 12٪.

يوضح جمال لـ"أهل سوهاج": "تصوير الجريمة بشكلها الكامل يؤثر على ما يعرف باللوزة الدماغية، مما يجعل الشخص أقل حساسية تجاه المخاطر أو أكثر تهورًا، مما يؤدي إلى زيادة ردود الفعل الاندفاعية أو قلة التعاطف، ويزيد من خطر الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)".

جانب آخر سلبي، يوضحه الدكتور جمال، وهو أن التعرض لمشاهدة الجرائم يعزز السلوك العدواني ويقلل من الشعور بالندم أو تأنيب الضمير ويعمق شعور اللامبالاة، مبينًا أنه لا بد من مراجعة سياسات النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يعي مصوروا الجرائم أن مثل تلك المقاطع محلها القضاء وليس الميديا.

ما ذكره الدكتور محمد جمال يتفق مع تأكيد الدكتور حسين أيمن، الأخصائي النفسي، بأن التعرض المتكرر لمشاهد العنف يؤثر بشكل كبير على استجابة الدماغ للمواقف الصادمة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية منها تقليل التفاعل العاطفي بين الناس، وهي أمور تتطلب العلاج النفسي.

ويشير لـ"أهل سوهاج" إلى أن العديد من الدراسات تربط بين مشاهدة الفيديوهات العنيفة وزيادة معدلات القلق والاكتئاب، خاصة عند التعرض المستمر لمحتوى أعنف من خبرات الإنسان السابقة مثل جرائم الذبح.

تزايد السلوك العدواني

خلصت دراسة ميدانية بعنوان: "العلاقة بين التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي ومعدلات العنف بين الشباب"، للدكتور حسن إبراهيم، مدرس الصحافة بقسم الاجتماع والاتصال والإعلام في المعهد العالي للدراسات الأدبية "كينج مريوط"، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز السلوك العدواني لدى الشباب من خلال بث المقاطع العنيفة التي تعمق الشعور بعدم الأمان.

لاحظت ذلك إيمان فراج، 14 عامًا، تقطن في سوهاج، جعلتها مقاطع الفيديو للجرائم التي حدثت مؤخرًا وبثت على السوشيال ميديا تشعر بعدم الأمان، وتعيش في حالة من الخوف المستمر، وتختلط عليها المشاعر بين الرعب والتعاطف مع الضحايا.

تعمق ذلك الشعور مع النشر المستمر للجرائم أمام إيمان، لدرجة أنها تتردد من الذهاب إلى أماكن بعيدة عن محيطها المعتاد: "أشعر أن المجرمون أصبحوا في كل مكان، لأن الميديا أصبحت مليئة بمقاطع الفيديو التي توثق الجرائم وأتساءل لماذا يصور البعض جرائم الذبح وينشرها بهذه الصورة المفزعة؟".

تشريح نفسية مصور الجرائم

يفسر الدكتور محمد جمال، الفرق النفسي بين الأشخاص الذين يوثقون الجرائم بدافع الشهرة وأولئك الذين يفعلون ذلك بدافع الصدمة أو العجز: "الساعون للشهرة من تصوير الجرائم لديهم ميول نرجسية أو رغبة في جذب الانتباه، بينما الذين يوثقون بدافع الصدمة قد يكونون في حالة ذهول أو عدم تصديق، ويستخدمون التوثيق كوسيلة لاستيعاب الموقف أو كإثبات لما يرونه، وربما يكون وسيلة للتكيف مع الصدمات للسيطرة على المشاعر".

بينما يرى الدكتور أيمن، أن دافع توثيق الجرائم لدى البعض بدلًا من التدخل المباشر، يمكن أن يكون ناتجًا عن "التفاعل السلبي"، حيث يشعر الأفراد بالعجز أو الخوف من التدخل، ويختارون التوثيق كوسيلة للهروب من المسؤولية الشخصية. 

قانونية تصوير الجرائم

تكررت عمليات تصوير الجرائم في أكثر من محافظة مؤخرًا، منها مدينة الأقصر في الصعيد التي شهدت حادثًا مروعًا خلال يناير الماضي، إذ ذبح مضطربٌ نفسيًا موظفًا في مديرية التضامن الاجتماعي، يقطن في منطقة أبو الجود، وفصل رأسه عن جسده باستخدام سكين حاد، وحمل الرأس وظل يدور بها في المنطقة وسط حالة من الهلع، ونُشر مقطع الفيديو على نطاق واسع.

وفق مؤشر قياس الجريمة في قاعدة البيانات (نامبيو) خلال عام 2024، فإن مصر احتلت المركز الـ 18 على مستوى الدول الإفريقية في معدلات الجريمة بمعدل 47.3 على مؤشر الجريمة، والمرتبة الـ 65 عالميًا، والثالثة عربيًا؛ بسبب تفشي ارتكاب الجرائم المختلفة.

ويمتد البُعد الزمني لتصوير الجرائم لما قبل يناير الماضي، ففي 21 يونيو العام 2020، استيقظت محافظة المنصورة على حادث كان حينها جديدًا من نوعه، وهو ذبح نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، التي قام زميلها محمد عادل بقتلها أمام بوابة الجامعة بعد أن رفضت الارتباط به، ونشر فيديو الذبح تظهر فيه الفتاة وهي غارقة في دمائها.

في تلك الواقعة استخدمت محكمة المنصورة الفيديو كدليل في القضية التي حُكم فيها بعد مرور عام بالإعدام على الجاني، لكن المستشار نجيب جبرائيل، المحامي ورئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، يرى أن تصوير الجرائم أو إعادة تمثيلها لا يتم إلا بإذن من النيابة العامة أو المحكمة.

ويشير إلى أن من يحق لهم تقديم مقاطع الفيديو أو الصور لإثبات دليل معين هم ذوي الشأن أو من لهم مصلحة في القضية، ويعود للمحكمة أو النيابة العامة قرار قبول أو رفض هذه المواد، لكن لا يحق للأفراد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام.

لذلك، بحسب جبرائيل، لا يحق للأفراد العاديين، سواء كانوا صحفيين أو مواقع إلكترونية، تصوير الجرائم دون الحصول على إذن من الجهات المختصة.

يؤيده الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام بجامعة بنها وخبير الإعلام الرقمي، بتأكيده أن نشر مقاطع فيديو تخص جرائم على منصات التواصل الاجتماعي يتجاوز الضوابط المهنية والأخلاقية، ويساهم في نشر محتوى غير لائق يتعارض مع العادات والتقاليد المجتمعية. 

ويوضح لـ"أهل سوهاج" أن هذا النوع من التغطية يعزز من تطبيع العنف ويؤدي إلى تقليل تأثير الجريمة في المجتمع، خاصة بين الشباب والمراهقين، حيث يصبح العنف أمرًا عاديًا وغير صادم، لذلك يرى أن الحل في وضع ضوابط للنشر على السوشيال ميديا، والرقابة على المحتوى العنيف لحماية المجتمع من تأثيراته السلبية.

تفكر مي وإيمان الآن في مقاطعة السوشيال ميديا حتى لا يتعرضان لمشاهدة جرائم القتل، في حين أن نشر هذه المقاطع قد يساهم في توثيق الجرائم، فإنه يعزز من انتشار العنف ويقلل من تأثير الجرائم على المجتمع.