بين العلم والسخرية.."بيرنت"وعلاقتك بـ"بابا" 

تصميم_ محمد صلاح

كتب/ت جنة الله أشرف عطية
2025-03-10 12:58:03

يناقش الكاتب دين بيرنت في كتاب "لماذا يقودك أبواك للجنون؟"، العلاقة بين الآباء والأبناء، وتعتبر هذه العلاقة من أكثر العلاقات الإنسانية تعقيدًا، حيث تناول هذه العلاقة في كتابه من منظور علمي عصبي.

حاول بيرنت في كتابه تفكيك المشاحنات اليومية بين الأجيال المختلفة من خلال شرح كيفية تأثير البنية الدماغية والتطور العصبي والأنماط النفسية على سلوك الوالدين وأبنائهم، ومع ذلك فإن الطرح العلمي لا يأتي في قالب جاف، بل قُدَّم بأسلوب يجمع بين التبسيط والفكاهة، مما يجعل القراءة ممتعة وخفيفة على القارئ، حتى وإن كان الموضوع في جوهره معقدًا.

اعتمد بيرنت فى كتابه على أسلوب ذكي وساخر، أحب أن أصفه بأنه بين المتعة والبساطة المفرطة، حيث شرح آليات الدماغ بطريقة أقرب إلى الحوار الفكاهي منها إلى الطرح الأكاديمي، فهذا الأسلوب جذب القارئ العادي، لكنه قد يكون مخيبًا للمتخصصين الذين يبحثون عن تحليل أعمق وأكثر دقة.

مع ذلك، لا يمكن إنكار أن بيرنت يمتلك قدرة فريدة على تبسيط العلوم العصبية والنفسية دون إفراغها من محتواها، وهو ما يُحسب له، بالرغم أن هناك لحظات تبدو فيها الفكاهة زائدة عن الحد، إلا أنها تخدم الهدف الأساسي للكتاب وهو إزالة الحواجز بين العلم و القارئ الغير متخصص.

أحد أهم نقاط القوة في الكتاب، هو تقديم الكاتب أسباب عصبية تفسر لماذا تبدو تصرفات الآباء غير منطقية أحيانًا من وجهة نظر الأبناء، والعكس صحيح، حيث ربط بيرنت بين الفص الجبهي المسؤول عن القرارات المنطقية، والذي يكتمل نموه في عمر متأخر، وبين التفاعلات العاطفية والحدسية التي يكتسبها الآباء مع مرور الزمن، مما يخلق فجوة في طريقة التفكير بين الأجيال.

لكن طرأ سؤالًا على ذهني أثناء قراءة الكتاب، هل يمكن تفسير كل تعقيدات العلاقة بين الآباء والأبناء من خلال علم الأعصاب فقط؟ هنا برزت نقطة نقدية مهمة بالنسبة إليّ أثناء قراءة الكتاب، إذ مال الكتاب إلى التركيز على العوامل البيولوجية مع إهمال البعد الثقافي والاجتماعي، وكأن المشكلات الأسرية متشابهة عالميًا، دون الأخذ في الاعتبار اختلاف البيئات والتقاليد والقيم الأسرية.

ورغم قوة الطرح العلمي، يقع بيرنت أحيانًا في فخ التعميم، حيث قدم بعض الافتراضات التي قد لا تكون دقيقة في جميع الثقافات، فعلى سبيل المثال، اعتمد الكتاب على نموذج الأسرة الغربية، حيث يكون الصدام بين الأجيال أكثر وضوحًا، نظرًا لاختلاف القيم بين الآباء الذين نشأوا في زمن مختلف، والأبناء الذين يعيشون في عصر التكنولوجيا والتغيرات السريعة، لكن في مجتمعات أخرى، تكون الروابط العائلية أكثر ترابطًا أو قائمة على قيم جماعية، قد لا تكون هذه المشكلات بنفس الحدة أو الشكل الذي يطرحه الكتاب.

ولكن، إذا قارنا هذا الكتاب بكتب أخرى تناقش العلاقة الأسرية، مثل "لغات الحب الخمس للأبناء" لغاري تشابمان، نجد أن الأخير يركز أكثر على التواصل العاطفي والاستراتيجيات التربوية، بينما يظل بيرنت محصورًا في الجانب العصبي، لكن هذا لا يعني أن أحدهما أفضل من الآخر، لكن كل منهما قدم زاوية مختلفة لفهم العلاقة بين الأجيال.

أجد أن الكتاب تميز بأسلوب ممتع وساخر جعل المعلومات العلمية سهلة الفهم، كما اعتمد الكتاب على أبحاث علمية حقيقية تدعم تفسيراته، كما منحنا رؤية جديدة حول أسباب التوتر بين الأجيال، خاصة من منظور علم الأعصاب، وهي أهم نقاط قوة الكتاب.

أما عن نقاط الضعف، فالكتاب ركز على التفسير البيولوجي أكثر من العوامل الثقافية والاجتماعية، ومال إلى التعميم في بعض استنتاجاته، حيث أسقط خبراته الشخصية على التجربة الإنسانية ككل.

السؤال الأهم، هل يستحق هذا الكتاب القراءة؟، في رأيي يُعدّ "لماذا يقودك أبواك للجنون" كتابًا مثيرًا للاهتمام لكل من يريد فهم العلاقة بين الآباء والأبناء من منظور جديد، لكنه ليس كتابًا شاملًا يغطي جميع جوانب هذه العلاقة، بل يظل طرحًا قائمًا على علم الأعصاب بالدرجة الأولى، مما يجعله مُكمّلًا للكتب النفسية والتربوية الأخرى وليس بديلًا عنها.

إذا كنت تبحث عن كتاب ممتع وساخر يشرح التوترات العائلية بأسلوب علمي خفيف، فهذا الكتاب مناسب لك، أما إذا كنت بحاجة إلى دليل عملي حول كيفية تحسين علاقتك بوالديك أو أبنائك، فقد تحتاج إلى البحث عن كتب أخرى تقدم استراتيجيات أكثر تفصيلًا.