الغربة تجربة تترك أثرًا عميقًا في القلب والعقل؛ فهي في البداية تحدٍّ صعب، لكنها أيضًا رحلة تعلم مليئة بالفرص والنمو الشخصي، ومع مرور الوقت، يبدأ المغترب في اكتشاف مزايا وعيوب الحياة في بلد غريب، ما يتطلب منه التكيف المستمر.
من خلال تجربتي الشخصية مع الغربة، والتي تختلف عن الفكرة التقليدية للسفر التي تدور حول السعادة والمتعة، شعرت لأول مرة بطعم المرارة في الغربة، وكانت الوحدة أكثر ما آلمني، لأنني بعيدة عن عائلتي، فلم يكن هناك ما يواسي قلبي في ليالي الغربة سوى ذكريات الوطن بعدما سافرت إلى ليبيا.
كنت أعتقد أنني بمجرد السفر، سأجد الدعم من الآخرين، لكن الواقع كان مختلفًا، صادفت أشخاصًا قد لا يقدمون لك المساعدة الحقيقية بل قد يستغلونك بدلًا من ذلك، كثيرًا ما كنت أفكر: "ماذا لو واجهت مشكلة ولم يكن هناك من يساعدني؟"، هذا الشعور بالافتقاد للأمان الاجتماعي كان يعمق من مشاعر القلق والتوتر، ويجعل الغربة أكثر صعوبة.
مع الشعور بالوحدة يأتي تحدي ثقافي آخر، حيث تجد نفسك في بيئة تختلف تمامًا عن تلك التي نشأت فيها، هذا ما اختبرته عندما انتقلت إلى بلد جديد، لأن العادات والتقاليد غريبة بالنسبة لي، خصوصًا إذا كانت هذه البلد لا تتقبل الأفكار المختلفة.
في البداية، كان الأمر صعب للغاية، حيث واجهت مشكلات تتعلق بتلك الاختلافات، لأن بلدي يختلف تمامًا عن هذه العادات، وتختلف بعض الأفكار بشكل كبير، مثل أن المشي في الشوارع والتجول في مصر لا يعد أمرًا غريبًا، بينما في هذا البلد يُعتبر أمرًا عيبًا كبيرًا إذا كانت المرأة هي من تمشي في الشارع بمفردها.
كذلك، كان من الممنوع فتح النوافذ هنا، وهو ما يختلف تمامًا عن مصر، ومع مرور الوقت، ورغم كل تلك الصعوبات، تعلمت كيف أتأقلم وأواجه الرفض الثقافي أحيانًا، وأدركت أنه ليس علينا أن نكون الأفضل في نظر للجميع، خاصة عندما كنت أواجه مواقف ناتجة عن عدم تقبل جنسيتي، وفي النهاية، اكتشفت أن الاختلاف يمكن أن يكون ميزة.
إلى جانب الشعور بالوحدة، قد يواجه المغترب أيضًا مشكلة الاستغلال، سواء في الأسعار أو في التعاملات اليومية. شخصيًا، مررت بتجربة استغلال من بعض السائقات في البلد الذي أعيش فيه، حيث كانت أسعار الرحلات تُفرض عليّ بثلاثة أضعاف مقارنة بالمقيمين المحليين.
كان هذا التفاوت يُشعرني بالغضب والظلم، ويُعد من أوجه التمييز الذي قد يتعرض لها المغتربون، خصوصًا في البلدان التي تفتقر إلى قوانين حماية المغتربين الفعّالة.
لكن بالرغم من هذه التحديات، لا يمكن تجاهل المزايا التي تصاحب الغربة، لأنها توفر فرصة كبيرة للنمو الشخصي، حيث أن الحياة في بلد غريب تعلمك الاستقلالية، وتجعلك تتعامل مع صعوبات الحياة اليومية بمفردك.
في كل مرة كنت أواجه مشكلة، كنت أكتشف في نفسي القدرة على حلها، مما منحني ثقة أكبر في نفسي، وبدأت جملة واحدة تتردد في عقلي كلما واجهت مشكلة: "لا أحد سيساعدك، تعلمي كيف تنقذين نفسك"، وبعد حل أي مشكلة، كنت أشعر بسعادة كبيرة لأنني اعتمدت على نفسي ولم أتكئ على أحد.
الغربة تتيح لك أيضًا فرصة اكتشاف ثقافات متنوعة، فأنا كنت أعيش في جامعة تضم طلابًا من مختلف الجنسيات، وكانت تجربة رائعة لتبادل الأفكار وتوسيع آفاقي، لأن التفاعل مع الآخرين كان يمدني بطاقة إيجابية، حيث كنت أسمع العديد من القصص المثيرة عن حياتهم وتجاربهم.
من المزايا الأخرى التي اكتسبتها هي الاستقلال المالي، عندما تعيش بمفردك، تتعلم كيف تدير أموالك بشكل أكثر حكمة، وتجد نفسك مضطرًا لتخصيص ميزانيتك بحذر، وتحديد الأولويات في مصاريفك، مما يساهم في بناء شخصية أكثر نضجًا واستقرارًا.
في النهاية، الغربة هي رحلة مليئة بالتحديات والفرص، رغم اللحظات الحزينة التي تنجم عن الوحدة والبعد عن العائلة، إلا أنها تحمل أيضًا لحظات من الفخر والاعتزاز، ومع مرور الوقت، تدرك أن الغربة تعلمك كيف تكون أكثر قوة واستقلالية.
اعتبر الغربة مدرسة حقيقية في الحياة تفتح أمامك أبوابًا جديدة لفهم نفسك والعالم من حولك، ومن خلال التغلب على الصعوبات، يكتشف المغتربون أنهم أصبحوا أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة.