تشير التقارير الدولية إلى أن الخسائر المادية في قطاع غزة تتجاوز المليارات، وأن القطاع يحتاج مئات السنوات كي يتعافى من التدمير الذي لحق به. وفي الوقت الذي تدخل فيه المرحلة الأولى من الهدنة بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ، لا ترتبط إعادة إعمار غزة فقط بنجاح مفاوضاتها المقرر لها في المرحلة الثالثة من الاتفاق، بل تطرح الأسئلة حول: من سيمول؟ ومن سينفذ؟ وذلك في مشهد تتصاعد فيه السيناريوهات حول مدى نجاح وقف الحرب والوصول إلى هذه المرحلة.
في التقرير التالي؛ يرصد "صوت السلام" تكلفة إعمار القطاع الذي يشهد دمار جسيم إثر حرب إبادة متعمدة ظلت تستهدف بنيته التحتية ومرافقه الحيوية على مدار 469 يومًا منذ 7 أكتوبر 2023، تسببت في تدمير واسع للمنازل، والمدارس، والمستشفيات، والشوارع، مما ترك آلاف العائلات في حالة من التشرد والفقر، وتحديات إعادة البناء والتعافي.
تدمير غزة
قصف الاحتلال على مدار عام وثلاث أشهر من العدوان المتواصل على قطاع غزة 70% من بنيتها التحتية تقريبًا، مدمرًا 300 ألف منزل سكني في قطاع غزة، ما أدى إلى تشريد نحو 2 مليون فلسطيني نزحوا من شمال غزة إلى جنوبها، وصولًا إلى مدينة رفح على الحدود المصرية، بالإضافة إلى 214 منشأة حكومية، وفق منظمة الأمم المتحدة.
وتحت وطأة سردية تبناها الاحتلال تزعم وجود أنفاق تابعة لحركة حماس تحت المستشفيات والمنازل، برر الاحتلال الإسرائيلي قصفه للمستشفيات التي لم يعد يعمل منها سوى 17 مستشفى بشكل جزئيًا بعد تعرضها للتدمير والاستهداف، من أصل 30 مستشفى في القطاع.
كما استهدف الاحتلال 826 دار عبادة إسلامية ومسيحية بالقصف، شملت حوالي 3 كنائس و823 مسجدًا، بالإضافة إلى ذلك، دمر الاحتلال 136 مدرسة بشكل كلي و355 مدرسة بشكل جزئي من أصل 796 مدرسة في القطاع، بما في ذلك 442 مدرسة حكومية، و70 مدرسة خاصة، و284 مدرسة تابعة للأونروا.
ولم يتوقف الاستهداف عند هذا الحد، لكن شمل أيضًا 17 جامعة ومنشأة تعليم عالٍ تعرضت للهجوم منذ الساعات الأولى للحرب، كما طالت الهجمات البنية التحتية في غزة، مما فاقم من معاناة السكان وعرقل أي جهود لإعادة الحياة إلى طبيعتها.
بينما ضُربت محطات المياه والكهرباء في الأيام الأولى من الحرب، مما أدى إلى انقطاع المياه والكهرباء خلال الأسبوع الأول، ومن أكتوبر 2023، كما دمر الاحتلال 92% من الطرق الرئيسية، وزاد من صعوبة النزوح ودخول المساعدات للأهالي.
18.5 مليار دولار لإعمار غزة
كل هذا الدمار يتطلب حوالي 80 عامًا لإعادة بنائه بتكلفة إجمالية تصل إلى 18.5 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي، لأن الاقتصاد وحده يحتاج نحو 350 عامًا ليعود لوضعه المتعثر قبل الحرب.
فيما يتعلق بإعادة بناء المنازل، قد تستمر العملية حتى عام 2040، أي ما يعادل 16 عامًا من العمل الشاق لإعادة الإعمار، بتكلفة إجمالية تصل إلى 10 مليارات دولار، وفق مؤسسة "راند" الأمريكية (مؤسسة أبحاث وتطوير غير ربحية).
وتحتاج إزالة الحطام والأنقاض التي تغطي القطاع الآن فقط إلى نحو 700 مليون دولار، وتقدر وزنها نحو 26 مليون طن، بينما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الكمية قد تصل إلى 42 مليون طن من الأنقاض، ورغم ذلك، يبقى مشهد إزالة الركام صعبًا للغاية، خاصة في ظل فقدان حوالي 10 آلاف فلسطيني تحت الأنقاض، وفقًا للأرقام الرسمية للأمم المتحدة، نتيجة لتعمد الاحتلال قصف المباني السكنية بعد دقائق فقط من تهجير سكانها.
ربما يكون واقع المستشفيات في غزة أسوأ، إذ أوضحت منظمة الصحة العالمية في يناير الجاري أن إعادة إعمار مستشفيات القطاع ستحتاج إلى 3 مليارات دولار وفقًا للتقديرات الأولية، وذلك خلال الـ 18 شهرًا القادمة.
أما في تقديرات أبعد زمنيًا، تمتد من خمس إلى سبع سنوات، فسيحتاج القطاع الطبي إلى نحو 10 مليارات دولار، مما يشير إلى حجم الكارثة، لا سيما أن 1.8 مليون شخص يحتاجون إلى مأوى في غزة حتى الآن، وفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
من يتحمل فاتورة الإعمار؟
لم تخرج أية تصريحات رسمية حتى الآن تشير إلى ملامح إعادة إعمار قطاع غزة سواء على مستوى تحمل فاتورته المادية أو تنفيذه، سوى أن مفاوضاتها تبدأ في المرحلة الثالثة من الهدنة. وتمتد المرحلة الأولى التي بدأت في 19 يناير الجاري لمدة 42 يومًا وتشتمل تسليم 33 أسيرًا إسرائيليًا مقابل 1904 أسرى فلسطينيين، على أن تبدأ بعد 16 يوما من وقف إطلاق النار، في التفاوض على إنهاء الحرب، وإطلاق سراح باقي المحتجزين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.
وحال اتفاق الطرفان على وقف إطلاق النار، تبدأ مفاوضات إعادة الإعمار التي تبدو أنها ستكون محاطة بعدد من الاشتراطات التي تنكشف من تصريحات دولية مختلفة، يبرز فيها على سبيل المثال الدور الذي ستتخذه حماس في القطاع عقب الحرب.
وكانت غرفة صناعات مواد البناء المصرية، قد أوضحت عقب الهدنة، أن مصر لديها طاقات إنتاجية فائضة من مواد البناء والخامات التي تحتاجها عمليات إعادة الإعمار، لكن لم يصدر حتى الآن بيانًا رسميًا يؤكد تدخل مصر قريبًا في هذا الملف، وإن كانت هي الدولة ذات الكفة الأرجح في تولي ملف إعادة إعمار غزة جغرافيًا وسياسيًا، لا سيما أنها تداخلت في ذلك عدة مرات سابقة، منها عملية إعادة الإعمار التي حدثت في العام 2021، وتولت حينها عملية إزالة الركام في غزة خلال 65 يومًا بواقع 65 ألف متر مكعب من الأنقاض بعد أسبوعين من القصف الإسرائيلي، وإقامة ثلاثة مشاريع سكنية داخل القطاع.
كما ساهمت مصر في عمليات إعادة الإعمار في غزة والعراق وسوريا وليبيا ولبنان خلال السنوات الماضية، وفق بحث للدكتور محمد عز العرب، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية".