لأشهر، ظل ركن الفاكهة والخضروات مهجورًا، داخل ثلاجة هبة سمير، على الرغم من عدم خلوها منذ 15 عام مدة زواجها، إذ تفاجأت بمصير مُختلف لطقوسها في الطعام خلال العام، لتكتشف مع مرور الوقت اختفاء طبق السلطة من على سفرتها، وعدم زيارة الفاكهة منزلها لأيام.
واقع هبة هو ما يسرده تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، رصدًا لنسبة تغير سعر الخضروات والفاكهة، بين يوليو 2023 و يوليو 2024، إذ بلغ نسبة زيادة السعر للخضروات نحو 54.5% والفاكهة 33.6%، اللذان يعتبران عنصرًا أساسيًا في الثلاجة بأغلب المنازل.
ما قبل الأزمة
قبل عامين من الآن، كانت ثلاجة هبة لا تخلو من الفاكهة والخضروات، فمنذ نعومة أظافر طفليها، تحاول إدخال الخضروات والفاكهة ضمن نظامهما الغذائي، ما يعني وجود طبق سلطة في الوجبات الأساسية، والاعتماد على الفاكهة للحصول على السكر، بدلًا من اعتمادهما على الحلوى المصنعة في ذلك العمر.
اعتاد هبة على شراء نحو 2 كيلو من الطماطم والخيار والبطاطس والفلفل والجزر، وتكرر تلك العملية مرتين على الأقل أسبوعيًا، بالإضفة إلى 2 كيلو من نوعين فاكهة يوميًا، فبجانب أكل الفاكهة، كانت تصنع منها العصائر، ومن بين طقوسها تخزين الخضروات والفاكهة كل موسم، حتى تستطيع توفيرهم لأطفالها بعيدًا عن الموسم، كما أنها تحفظها لتكون مخزونًا لشهر رمضان.
كان نفس السيناريو مُعتادًا بالنسبة لابتهال عبد الله، قبل عام 2023، إذ كانت تشتري الفاكهة يوميًا، نحو ما يُقارب من نصف كيلو، إيمانًا منها بالأهمية الغذائية لتناول ثمرة فاكهة على الأقل، وبنت العادة لدى أبنائها لسنوات، فيما وفّرت الخضروات في الثلاجة حتى تكون جزء أساسيًا من الوجبات.
تلك العادات لم تكن غريبة على إيمان هاشم أيضًا، فلم تفرغ ثلاجتها منهم، كما المياه، بل كانت تتميز بتوفيرهم طازجين، لقُرب مسكنها من سوق الخضروات والفاكهة، بمنطقة حدائق المعادي، التي كانت تلاحظ زحامهم أغلب الأوقات خلال اليوم "السوق مكنش بينام.. لو نزلت 2 بليل كنت بلاقي فاكهة وخضار".
أطباق وعادات تختفي
تدريجيًا مع تغير الأسعار، فقد السوق الضغط والزحام، فتصف إيمان المشهد به أنه كاشف لتغير الأسعار، فأغلب الزبائن صاروا يشترون بكميات أقل من 2 كيلو، بسبب قفز سعر الخضروات والفاكهة بنسبة غير متوقعة، كانت إيمان تشتري كيلو الطماطم بـ5 جنيها، وفي خلال عام قفز كيلو الطماطم من 15 جنيه إلى 20 و25 جنيهًا، فيما بلغ سعر البطيخة الواحدة نحو 100 جنيه.
لاحظت هبة أن الفاكهة صارت تزور منزلها مرة واحدة أسبوعيًا، وأحيانًا تصل لأسبوعين، كما تحول طبق السّلطة إلى حلم "بقيت أشتري الخضار عشان أطبخ الوجبة بس"، وبعدما كانت تشتري 2 كيلو من كل نوع، صارت تشتري ربع أو نصف كيلو على أقصى تقدير، وأحيانًا ثمرة واحدة في حالة عدم احتياجها، مثل الفلفل الأخضر.
لاحظت هبة أن الفاكهة تزور منزلها مرة واحدة في الأسبوع، واحيانًا تصل لأسبوعان، كذلك تحولت السلطة إلى حلم، لأنها تشتري الخضروات بكمية طبخ الوجبة، الكمية تحولت لنصف كيلو أو ربع كيلو، واحيانًا الثمرة الواحدة في حالة عدم احتياجها لكميات كبيرة منها، مثل الفلفل.
عدم الرقابة على الأسواق واستغناء
ترى إيمان أن واحدًا من أسباب قفز أسعار الخضروات والفاكهة، هو عدم الرقابة في الأسواق، إذ يوجد فرق في السعر بين بائع وآخر، إلى جانب زيادة أسعار البنزين والمواصلات بشكل متكرر، لكنها تتمنى انتهاء تلك المرحلة، وتضيف بغضب "أكيد مش هنستغنى عن الخضار والفاكهة كمان.. كفاية اللحمة والفراخ اللي استغنينا عنهم".
تتفق ابتهال وهبة مع إيمان في تلك الأسباب، فحسب وصف ابتهال "الوضع بقى مرهق أوي، في وقت قصير وصلنا لحالة صعبة"، كما تعلق هبة "أنا سايباها على ربنا وراضية، أتمني بس منوصلش لظروف أصعب من كده".
تفتقد إيمان صوت البائعين "بـ10 جنيه الـ3 كيلو" الذي أزعجها لسنوات، كما تفتقد هبة طبق السلطة التي كانت تشاركه مع أبنائها، أملًا في مستقبل غذائي أفضل لهم، بينما تتمنى ابتهال الاستيقاظ من كابوس رفع الأسعار وحالة الاستغناء العامة لدى المواطنين.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تخطت نسبة التضخم 33.9% في 2023، بينما في 2022 كانت 13.9%، بفارق 20%. لم تكن المرة الأولي، ففي 2016 تحركت النسبة من 13.8% إلى 29.5%، لكن يظل 2023 هو العام الأعلى تضخمًا بحسب الإحصائية.