بالزراعة المنزلية.. مواطنون يواجهون الأسعار والحرارة

تصوير: فاطمة محمد - إحدى السيادات تتابع زراعاتها المنزلية بأسوان

كتب/ت فاطمة محمد
2024-07-27 12:48:42

المساحات الخضراء دائمًا ما تُضفي شعورًا بالراحة، بالإضافة لمُساهمتها في التنقية الدائمة للهواء، ومع  التغيرات المناخية وارتفاعات درجات الحرارة، اتجّهت دول للترويج للزراعات المنزلية لما لها من فوائد بيئية وفوائد اقتصادية على الأسرة.

وفي أسوان، ومع صدارة المحافظة لدرجات الحرارة الأعلى في العالم خلال صيف 2024، فوجيء سكان أسوان بتوجه مسؤولي المحافظة لتطوير بعض الميادين والمساحات العامة بخطط تُهاجم المساحات الخضراء وتقلّص مساحات التشجير، ما سيؤدي بدوره لمضاعفة آثار التغير المناخي وارتفاعات درجات الحرارة.

وبينما تؤدي خطط المحافظة لارتفاع درجات الحرارة، ظهر اتجاه لدى بعض سكان أسوان للزراعات المنزلية، فمنهم من اتجه إلى استصلاح قطع أرض الصغيرة بجوار منزله، ومنهم من اتجه إلى زراعة الأسطح، وهو الاتجاه الذي رُبما قد يؤثر تأثيرًا طفيفًا في مقاومة آثار ارتفاعات درجات الحرارة وسط محدودية انتشار الفكرة إلى الآن.

مساحة فارغة

"دائما ما أجد ملاذي في الساعات التي أقضيها وسط المحاصيل الزراعية والمساحات الخضراء خصوصًا في الساعات الأولى من الصباح، هكذا عبرّت "أم يوسف" ربة منزل والبالغة من العمر ٤٩ عامًا، عن حبها للزراعة، لتبدأ رواية قصتها قائلة "قبل إعادة بناء منزلنا منذ 5 سنوات، كانت هناك مساحة من الأرض الفارغة بمنزلنا، ودائمًا ما نشغلها بزراعة محاصيل متنوعة من طماطم، وبصل، وثوم، وذرة، وبامية، وملوخية، وشطة".

تتابع قائلة: كل هذا انتهى عندما قررنا إعادة بناء المنزل وتوسيعه، فتم الاستغناء عن الأرض المزروعة، وضمها للهيكل البنائي للمنزل، فـافتقدت الزراعة لمدة ثلاث سنوات، حتى قابلتُ إحدى جاراتي، وأثناء حديث بيننا قالت لي إن ابنة عمها تزرع فوق سطح منزلها باستخدام الأقفاص البلاستيكية، استفسرت منها عن كيفية الأمر، فقالت إن الأمر سهل، ولكن أهم شيء هو اتخاذ إجراءات الأمان عن طريق عدم ملامسة المياه للسطح قدر الإمكان، لكي لا يهدم أو يحدث أي تشققات. ش

أقفاص بلاستيكية

تقول "أم يوسف" فكرت بمفردي في الأمر، واقتنعت، فقلتُ لنفسي لماذا لا أجرب؟ كان لديّ الكثير من الأقفاص البلاستيكية، فأحضرتُ تربة طينية وزرعت في البداية "نعناع، وجرجير" في قفصين، ورفعتهم باستخدام لوح من البلاستيك المتين، ووضعتُ إنائين فارغين لكي ينزل بهم الفائض من ماء الري، وفُوجئت بعد أيام أن النبات بدأ ينمو فازداد شغفي، بأن أملأ السطح بالكثير من المزروعات.

بدأت "أم يوسف" في التوسع شيئا فشيئًا، واشترت أقفاص بتكلفة 7 جنيهات للقفص الواحد، إلى أن وصل عدد الأقفاص المزروعة إلى 50 قفصًا، على مدار السنتين الماضيتين، وتسعى إلى أن تصل  زراعتها إلى  150 قفص.

أما عن سيد أحمد البالغ من العمر 73 عامًا، الذي يسكن مركز كوم أمبو، فبعد أن أُحيل على المعاش، قرر زراعة سطح منزله لإشباع رغبته وحبه للزراعة، وكان في بداية الأمر يزرع في أواني صغيرة أشياء بسيطة مثل "النعناع، والورد، والصبار".

بدأ "سيد" تطوير زراعاته عن طريق شراء التربة وخلطها ببعض الرمال، يذكر أنه عندما قرر شراء تربة لأول مرة كانت رخيصة نوعًا ما، فقد كانت السيارة الربع نقل ب 250 جنيه، أي ما يُعادل ربع طن بالتقريب، واليوم أصبح يزرع محاصيل مثل "الباذنجان الأبيض والأسود".

سماد عضوي

قالت مروة أحمد، ربة منزل، إنها تزرع مساحة بجوار منزلها حوالي 6 متر، ضمن ملكية منزلها وتزرع هذه المساحة منذ 7 سنوات على التوالي، وأوضحت أن تربة الأرض صحراوية،ـ لكنها استصلحتها عن طريق خلطها بمخلفات الدواجن والماشية وبعض الطمي النيلي.

الزراعة بالنسبة لــ"مروة" اقتصرت في البداية على"الثوم والبصل" في الشتاء، و"والبامية والملوخية" في الصيف، مُحققة اكتفاء ذاتي من هذه المحاصيل الأربعة لفترات كبيرة، ولكن منذ عامين بدأت بزراعة محاصيل عديدة مع بدء ارتفاع الأسعار في الأسواق، ثم اتجهت لزراعة النباتات الخفيفة "الكزبرة، والملوخية والبامية" فوق سطح المنزل في عبوات بلاستيكية مع ضمان عدم تسرب أي مياه للسطح.

وأضافت أنها هذا العام منذ بدء موسم البامية والملوخية، لم تشترِ أيّ منهما، على أمل أن يستمر هذا الوضع لآخر الموسم.

تُشجّع ياسمين حسين، مهندسة زراعية، على الزراعة المنزلية، قائلة "أرى أن الزراعة المنزلية انطلاقة جيدة نحو الاكتفاء الذاتي لأفراد، وخصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار يوميًا، كما أنها مفيدة بيئيًا في تنقية الهواء".

"الزراعة مُمكنة في أي مكان وبأي نوع تربة"، هكذا قالت "ياسمين"، لتضيف "إذا لم تكن هناك أرض متوفرة للزراعة، من الممكن أن يتجه الأفراد للحل البديل وهو زراعة الأسطح، ولكن مع اتخاذ كافة طرق الأمان من وضع نظام لصرف المياه لكي لا يحدث تسريب على السطح، كذلك توزيع أواني الزرع على السطح وعدم التمرّكز في مكان واحد، ومراعاة الأحمال الزائدة لكي لا تسبب انهيار أو تشققات".

تربة صحراوية

وأشارت ياسمين حسين، أن الأسمدة العضوية أفضل بكثير في الزراعة من الأسمدة الكيماوية، وتعتبر أكثر فعالية للتربة، إذ أن الأسمدة الكيماوية تُغسل سريعًا من التربة، أما العضوية فتظل فترة طويلة، وتعمل على تحسين قوام التربة وخواصها، أما بالنسبة للأرض الصحراوية والتي تتمتع بها غالبية محافظة أسوان، فمن الممكن استصلاحها وزراعتها عن طريق وضع أسمدة عضوية بها، لتصبح التربة متماسكة وتستطيع الاحتفاظ بالمياه.

ومنذ 2019 أطلقت مؤسسة "أم حبيبة" مبادرة لزراعة الأسطح في أسوان، التقت عين الأسواني  بالمهندس محمد جمال، مسؤول أول برنامج الزراعة والأمن الغذائي والتغير المناخي بالمؤسسة، والذي أكد حرص المؤسسة على تشجيع الزراعات المنزلية عن طريق مبادرات؛ منها مبادرة المرأة في الزراعة، التي بدأت في 2019 واستمرت 3 سنوات، ونُفّذ من خلالها 612 حديقة منزلية و120 حديقة سطح، واستمرت المبادرة لثلاث سنوات أخرى باسم "هي تزرع"، المستهدف فيها 400 حديقة منزلية و50 حديقة سطح.

 واختتم "جمال" حديثه مُؤكدًا أن الهدف من المبادرة توفير المصروفات المنزلية، إذ يزيد مشروع زراعة الأسطح الدخول بنسبة تتراوح من 15 إلى 20% من دخل الأسرة الأساسي.

تصوير: فاطمة محمد - إحدى السيدات تتباع زراعاتاها المنزلية بأسوان