منذ السابع من أكتوبر الماضي، وتبدو عبارات: “لن نتوقف عن النشر.. لن نتوقف عن الحديث.. لن نتوقف عن كشف الانتهاكات"، أحد الجمل الأكثر تداولًا بين المنشورات التي تتحدث عن الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون داخل الأراضي الفلسطينية سواء في قطاع غزة أو الأراضي المحتلة.
فأمام مقاومة الفلسطينيين لكشف وتوثيق مع يحدث من جرائم الاحتلال ضدهم على أرض الواقع، باتت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لحرب أخرى، انضم إليها المدافعين عن القضية الفلسطينية للعمل لكشف الحقائق وتوثيق الانتهاكات والجرائم أمام الرأي العام العالمي.
لكن على مدار ثلاث أشهر من النشر اليومي، لا يخفى على أحد تغير سياسات هذه المواقع نشر/ حجب هذا المحتوى بين المؤيد للفلسطينيين الذي يجد نفسه ممنوعًا تحت مسمى "محتوى يحرض على العنف"، ومن جانب آخر لم تصل منشوراتهم إلى كل المتابعين، وأمام سياسات ترويجية مختلفة للمحتوى الداعم للاحتلال.
ولمزيد من فهم ذلك، أجرى "صوت السلام" مقابلة مع اللبناني، رالف بيضون، مؤسس شركة "إنفلونس أنسر"، التي ترصد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على السلوك الإنساني والدوائر الاجتماعية، أجاب لنا خلالها عن الأسئلة التي تراودنا بخصوص تضييق مواقع التواصل الاجتماعي للمحتوى المنشور عن أحداث طوفان الأقصي وقصف غزة.
* لماذا يُحجب المحتوى الخاص بـ أحداث غزة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
لا يوجد سبب واحد للحجب، لكن هناك عدة عوامل تسببت في الواقع الحالي، منهم أهم عامل وهو عدم فهم لغتنا وتاريخنا العربي أثناء قيام تلك المواقع بوضع الأكواد وتشكيل الخوارزميات التي لا تدعم لغتنا وتاريخنا، وواضعي هذه الأكواد لا يعتمدون الكلمات العربية والتاريخ العربي.
فعلى سبيل المثال، تتضح أزمة هذه الأكواد ومشكلة الترجمة من العربية، في السيرة الذاتية "bio" الخاص بالصفحة الشخصية للناشط الفلسطيني "يزن الحوراني" على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب "الحوارني" فيه "الحمدالله"، وترجمت لباقي اللغات بـ"إرهابي فلسطيني على الأرض".
وهناك أيضًا مثال أحداث حي الشيخ جراح في 2021، حين تم حجب محتوى الأحداث وهاشتاج انقذوا حي الشيخ جراح؛ بسبب اعتبار هذه الأكواد ذلك "محتوى إرهابي"، لكن حين قامت "ميتا" في 2022 بتحقيق في الأمر، كشفت أن مساحة التدقيق والإشراف على المحتوى العربي أضعاف التدقيق على المحتوى العبري، وأن مجرد اختلاف اللغة يخلق عنصرية وتدقيق من قبل الأكواد وواضعيها.
* هل ترى أن هناك اتباع لسياسة عنصرية ضد المحتوي العربي والفلسطيني بالتحديد على مواقع التواصل الاجتماعي؟
هنا يكون الرد هو رصد تأثير حكومة الاحتلال على سياسات مواقع التواصل الاجتماعي، ففي 2016 هدد رئيس وزراء الاحتلال بينيامين نتنياهو كل من "فيسبوك" "يوتيوب" و"جوجل" بأنه سيقاضيهم ويطالبهم بدفع غرامات، إذا لم يلتزموا بقرارات الاحتلال بحجب المحتوى الفلسطيني الذي يصفه بـ "محتوى مشجع على العنف الفلسطيني"، ومن وقتها ارتفع التزام هذه الشركات بالحجب خوفًا من العقوبات القانونية.
ولابد وأن نوضح أن من ضمن المسؤولين في العالم عن مكاتب السياسة العامة لمواقع التواصل الاجتماعي، هي "جوردانا كاتلر" وهي رئيسة مكتب رئيس وزراء الاحتلال "نتنياهو"، وكانت رئيسة طائفة العمال بسفارة الاحتلال في واشنطن، فمن هذه المناصب يمكن أن نتخيل كيف ستتشكل السياسة العامة والمحتوى بهذه المواقع.
وإذا وضعنا هذه العوامل معًا، سنعرف لماذا يحدث هذا الحجب للمحتوى الفلسطيني على المواقع، ولماذا هذه هو واقعنا على مواقع تدّعى أنها مساحة لحرية الرأي والتعبير، ولكنها عوامل أظن يمكن أن نعمل عليها حتى نخلق نحن مساحتنا على هذه المواقع.
* ما هي البنود الخاصة بـ"ميتا" التي تحجب النشر عن أحداث غزة؟
لا يوجد بند في المواقع التابعة لشركة "ميتا" تمنعنا من النشر عن غزة، ولكن يوجد بند يتم التلاعب من خلاله وهو "منع خطاب الكراهية والمضايقات والتحريض على العنف"، والذي نوافق عليه ضمن البنود التي تظهر لنا وقت تحميل التطبيق، ولأن تعريف البند مبهم فيتم التلاعب به حاليًا، من خلال تصنيف المحتوى الفلسطيني كخطاب كراهية، بينما المحتوى الصادر عن الاحتلال لا يصنف كخطاب كراهية أو تحريض على العنف.
وأيضًا توجد حاليًا مجموعة معروفة اسمها "معادين للسامية وكارهين اليهود بالعالم"، وهي مجموعة عليها آلاف الإسرائيليين بـ"الانستجرام"، يشارك أعضاء هذه المجموعة محتوى عربي داعم لفلسطين، ويبدأ أعضاء هذه المجموعة في التوجه إلى حسابات ناشري هذا المحتوي، فيكتبون تعليقات على محتواه تحتوي على خطاب كراهية واضح ضده وتهديد وتحريض على العنف، كما يستخدمون معلوماته الشخصية وينشرونها للجميع، ولا تعتبر "ميتا" هذه المجموعة تنافي بند "منع خطاب الكراهية والمضايقات والتحريض على العنف" أو انتهاك الخصوصية، طالما لم ينشر الرقم الشخصي لصاحب الحساب الداعم لفلسطين، رغم أن المجموعة الاسرائيلية تشارك اسم مكان عمله وعنوانه الشخصي وحسابه على موقع التوظيف"لينكد آند"، وهي الإجراءات التي تشكل خطرًا على حياته المهنية والاجتماعية.
* ماذا عن موقف موقع "اكس" تويتر سابقًا؟
من وقت تسلم إيلون ماسك إدارة الشركة، فصل 3000 موظف، منهم عدد كبير متخصص في الإشراف على المحتوى، والتحقق من المعلومات والمحتوى المضلل، وقلل ذلك من نسبة المصداقية في المنصة، كما بدأت المنصة في فرض رسوم شهرية للحصول على ملصق التحقق للحسابات، والذي تسبب في غياب المصداقية على المنصة؛ لأن كل شخص يمكن أن يحصل على علامة تساوي المصداقية والمعلومات الموثوقة.
والحقيقة أن "ماسك" في أحداث القصف، سمح بالنشر على المنصة دون خوارزميات، لكن في الأساس المنصة تفقد المصداقية بسبب ما قام به.
* ما القضايا الأخرى التى يُحجب النشر عنها؟
لا يوجد قضايا أخرى مُنع النشر عنها على مواقع التواصل غير القضية الفلسطينية، بداية من أحداث حي الشيخ جراح في 2021، كان أول صدام لنا مع سياسات المواقع وشاهدنا الحجب لأول مرة.
* هل مقاطعة هذه المواقع هي الحل؟
المقاطعة ليست حلًا؛ لأن شركة "ميتا" ومواقع التواصل هي أكبر شركات في العالم حاليًا، ولذلك يجب أن نستغل هذه الشركات في الكتابة عن القضية، بعيدًا عن وسائل الإعلام التقليدية، ونحلل هذه العوامل التي تصل بنا لحجب المحتوى الخاص بفلسطين بشكل أعمق حتى نغيرها خلال منشوراتنا حول الأحداث الحالية والفترات المقبلة؛ لأننا في حالة توقفنا عن النشر واتبعنا سياسة المقاطعة في وقت هم يحاولون إسكات أصواتنا على تلك المواقع، سنكون حينها في موقع ضعف؛ لأن المحتوى العربي أكبر مما نتخيل ويمكن أن نحارب بواسطته.
ولأن بالتأكيد هناك داخل هذه الشركات مناصرين للقضية الفلسطينية، وهناك معارك صغيرة وكبيرة تخاض داخل هذه المنصات لابد أن نكون الطرف الأقوى فيها؛ ليتم تحديث هذه المواقع بسياسات تناسبنا، لأن معركتنا في الأساس معركة رأي عام.
* بماذا تنصح مستخدمي هذه المواقع أثناء النشر عن غزة؟
"كونوا مبدعين" اللغة العربية واسعة، ويمكن أن نستخدم كل مرادفاتها للنشر عن القضية، الأهم أن نظل ننشر لأخر لحظة، ننشر باللغة العربية والإنجليزية والعبرية، وأن نكون أذكى من الخوارزميات، كما نفعل الأن باللغة غير المنقوطة، وتفكيك الكلمات الأكثر حساسية للأكواد.
فالتأثير الذي حدث بسبب النشر منذ أول يوم في القصف أحدث فارق ضخم، من الممكن أن يسرد في كتب التاريخ في المستقبل، ويشكل فارق في مصير القضية مستقبلًا، لذلك أري أن ستتغير سياسات مواقع التواصل بعد هذا الحدث.
وهناك مثل لبناني معبر عن سردية سياسات مواقع التواصل والنشر عن القضية، والمثل يقول: "ما نقتل الناطور (حارس الأرض).. بدنا ناكل عنب"، تعبيرًا عن رفضه لمقاطعة المواقع وفقط التلاعب بأكوادها وخوارمياتها".