في القرن السادس عشر الميلادي وصل عدد اليهود في أرض فلسطين إلى قرابة الخمسة آلاف، وبحلول عام 1881 كان قد وصل عددهم إلى 25 ألف، عقب هجرات عشوائية من أوروبا بسبب اضطهادهم، وقبل هذا التاريخ بنحو نصف قرن في 1837 لم يكن مسموحًا لليهود بتملك أراضي في فلسطين، وفقًا لفرمان عثماني؛ إذ كانت الدولة العثمانية هي التي تحكم فلسطين.
في كتابه: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"؛ يقول الكاتب والمفكر الراحل عبدالوهاب المسيري إن أول مستعمرة يهودية في فلسطين أنشأها موشي مونتيفري وهو يهودي بريطاني بالغ الثراء، الذي بدأ بتملك عدة مصارف، وعقب زيارة له إلى السلطان عبدالمجيد الأول، الوالي العثماني، منحه فرمانًا مكّنته امتيازاته من بناء وزرع أول مستعمرة في القدس، وطّن فيها أول فوج من المهاجرين الأوروبيين الأشكناز.
ويشير المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية إلى أن "مونتيفري" اشترى الأرض من الحاخام اليهودي، يهودا هليفي مرغوزا، رئيس الجالية اليهودية في يافا وقتها.
وكان عدد سكان مستعمرة "مستوطنة" "مونتيفري" في وقت إنشائها 1500 يهودي، وبحلول عام 1840 ارتفع عدد المهاجرين إلى عشرة آلاف يهودي، ثم 15 ألفًا عام 1860، ووصلوا إلى 22 ألف يهودي عام 1881، وبعدها بعام في 1882 توافدت أفواج المهاجرين الروس على فلسطين؛ على الرغم من قانون أصدرته السلطات العثمانية للحد من الهجرة، وبلغت تقديرات الفوج الأول بألفيّ يهودي.
وفي عام 1897، وُضع حجر الزاوية في إنشاء الكيان المحتل، حين تم تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية على يد ثيودور هرتزل، المحامي والصحفي والكاتب المجري ذي الأصول الصربية، والذي قرر أن الوطن القومي لليهود سيقام في فلسطين، ما أحدث قفزة في الهجرات التي باتت منظمة، إذ توافدت أعدادًا كبيرة من اليهود للاستيطان على يد المنظمة الصهيونية بتسهيل من بريطانيا، ووصل عدد اليهود بفلسطين بحلول عام 1900 إلى 55 ألف.
وفي عام 1916 عقد السير مارك سايكس، عضو مجلس العموم الإنجليزي، والقنصل فرانسوا ماري بيكو، الاتفاقية "الأنغلو، فرنسية، الروسية" أو "سايكس بيكو"، كممثلان عن بريطانيا وفرنسا في مفاوضات تقسيم الشرق الأوسط قبل هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، لتقع فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
وفي الثاني من نوفمبر 1917 صدر وعد "بلفور" الذي منحت بريطانيا بموجبه - عبر اللورد آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطاني، لليهود حقًا في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، ليكون هذا الوعد بمثابة الخطوة الفعلية الأولى للغرب في طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة لرغبات الصهيونية العالمية.
ويذكر موقع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية التابع لمؤسسة الدراسات الفلسطينية والمتحف الفلسطيني، أن الوعد جاء على هيئة رسالة قصيرة من الوزير إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، رئيس الجالية اليهودية في بريطانيا، وبعد موافقة مجلس الوزراء البريطاني على الوعد.
وجاء نصه كالتالي: "إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنّه لن يُؤتى بأيّ عمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
تقول الموسوعة إن البريطانيين استهدفوا كسب تأييد يهود الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وروسيا لجهودهم الحربية وتعزيز وترسيخ مطالبتهم بفلسطين بعد الحرب، لدعم سيطرتهم على مصر وقناة السويس كممر ملاحي دولي.
ويتناقض وعد بلفور مع وعود بريطانيا للعرب، فبعد شهر من صدوره دخلت القوات البريطانية فلسطين واستولت على مدينة القدس في ديسمبر 1917.
وتسارعت الأحداث بعدها، ففي أكتوبر 1918 فُرضت حكومة عسكرية في فلسطين، وبدأ الترويج للوطن القومي لليهود على الأرض، وذلك حتى قبل الانتداب الرسمي لبريطانيا على فلسطين، وبحلول يوليو 1920، أصبح عضو المنظمة الصهيونية، هربرت صموئيل، أول مندوب سامي في فلسطين.
وأنعش وعد بلفور حركة الهجرة اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى "1914-1918" والثانية "1939-1945"، وذلك في وقت كانت أوروبا تشهد صعودًا للتيارات القومية المعادية للسامية.
وتعرضت الأراضي الفلسطينية إلى خمس موجات متتالية من الهجرات اليهودية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا".
وقبل عام واحد من نكبة فلسطين، صوتت الأمم المتحدة - وفقًا للقرار رقم 181 لعام 1947 - على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما يهودية والثانية عربية، فيما تصبح القدس مدينة دولية.
ووافق الزعماء اليهود على القرار ورفضه العرب، وهو ما لم يُطبق مطلقًا.
واتخذت بريطانيا القرار مدخلًا لانهاء انتدابها لفلسطين عام 1984، إيذانًا بإعلان قيام الكيان المحتل، ثم بعدها بدأت عمليات طرد العرب الفلسطينيين من أرضهم، وبذلت الحركة الصهيونية جهودًا كبيرًا لتسهيل وتكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وفي مواجهة هذه الجهود اندلعت حرب 1948 أو ما عُرف بالنكبة.
وتصف "وفا" النكبة بأكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين، حيث شُرد ما يربو على 957 ألف فلسطيني قسرًا من قراهم ومدنهم تحت قوة السلاح والتهديد من جانب العصابات الصهيونية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، وذلك من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948، فيما حل اليهود مكانهم، واستولوا على أراضيهم.
وتذكر الموسوعة التفاعلية الفلسطينية، أن طرد الفلسطينيين بدأ في عام 1947، إذ تصاعدت العمليات الإرهابية العشوائية التي شنها على القرى والبلدات والمدن العربية أعضاء تنظيمين يهوديين وهما: "الهاغانا، الأرغون".
وبعد نكبة 1948 سيطرت العصابات التابعة للمنظمة على أكثر من 85 % من مساحة فلسطين التاريخية "27 ألف كيلومتر"، وبما فيها من موارد، أي ما يزيد على 75 % من مساحتها، واقتحموا وسيطروا على 774 قرية ومدينة فلسطينية، ودمروا 531 منها كاملة وطمسوا معالمها الحضارية والتاريخية، والباقي أخضعوه لكيان الاحتلال وقوانينه.
وارتكب أفرادها أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، فيما لم يتبق سوى 150 ألف فلسطيني في المدن والقرى الفلسطينية التي قامت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد النكبة.
وتشير سجلات وكالة "الغوث"، إلى أن عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في هذه الفترة بلغ 58 مخيمًا رسميًا تابع للوكالة، وهي موزعة كالتالي: "10 مخيمات في الأردن، 9 مخيمات في سوريا، 12 مخيمًا في لبنان، 19 مخيمًا في الضفة الغربية، و 8 مخيمات في قطاع غزة.".
وفي الخامس من يونيو 1967 حدثت النكسة خلال حرب الأيام الستة، التي خاضها الكيان المحتل ضد مصر والأردن وسوريا، وانتهت الحرب باحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، إثر انسحاب القوات الأردنية وعودتها إلى الشرق من نهر الأردن.
وقد انسحبت قوات الاحتلال الاسرائيلي من غزة عام 2005 بينما فرضت حصارًا كاملًا عليه.
ويعيش منذ الاحتلال قرابة 600 ألف يهودي صهيوني في حوالي 140 مستوطنة، وبينما يرى غالبية المجتمع الدولي أن هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي، في حين تعارض إسرائيل ذلك.
ويؤكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن المستوطنات في تلك المنطقة خالية من الشرعية، وتشكل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي"، وكان آخرها قرار المجلس رقم 2334.
واعترفت محكمة العدل الدولية في فتوى الجدار العازل عام 2004، بأن الكيان قوة احتلال خارج توصية التقسيم، وقالت إن الأحداث السياسية التي جرت في المنطقة؛ مثل ضم القدس، والتوقيع على معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن في 1994، لا تغير شيئًا من تعريف إسرائيل كقوة محتلة، بل تبقى حسب القانون الدولي دولة احتلال.
وبالبحث في نصوص القانون الدولي، نجد أن الإطار القانوني الأوّلي المقبول دوليًا لتحديد معنى الاحتلال، كان في لوائح لاهاي الثانية عام 1899، في المادتين 42 و43، والتي تتطابق مع المادتين 42 و43 من لوائح لاهاي الرابعة عام 1907، والتي تنص على: "أن تواجد قوى غريبة على الأرض يعتبر احتلالًا في حال استيفاء الشروط التي حصرت في أن المنطقة باتت تحت السيطرة الفعلية لجيش معادي، وأنها كانت سابقًا منطقة ذات سيادة لدولة أخرى، والأخير هو أن يحتفظ المحتل بالمنطقة التي يحتلها بغرض إعادتها إلى الدولة التي كانت تمارس السيادة السابقة".
وقد ركزت اتفاقيات لاهاي على تعريف التزامات الدولة المحتلة تجاه الدولة التي تمتعت بالسيادة قبل الاحتلال، ولكن اتفاقية جنيف والتي تتكون من أربع اتفاقيات دولية تمت الأولى منها في عام 1864، وآخرها في عام 1949، نقلت التركيز إلى التزامات الدولة المحتلة تجاه سكان الأراضي المحتلة.
وذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي صدر عام 1948، في المادة 13 منه "أن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده"، كما أكدت على ذلك اتفاقية جنيف الرابعة وقرار الجمعية رقم 194 الصادر في 11 ديسمبر 1948 في الفقرة رقم 11: "أنه تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقًا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
وهي البنود التي خالفها الاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح، فأًصدر في 1950 "قانون العودة" الذي ينص على أن "لكل يهودي الحق في العودة إلى البلاد كيهودي عائد"، وتكون الهجرة بتأشيرة مهاجر.
ومقابل كل ذلك؛ ينص قانون الجنسية الإسرائيلية الصادر عام 1952 على إعطاء الحق لكل يهودي يهاجر إلى إسرائيل بالحصول على الهوية الإسرائيلية بمجرد دخوله البلاد، بالإضافة إلى تشجيع الوكالة اليهودية للهجرة وتنظيمها والاهتمام بأمور المهاجرين عند وصولهم إلى البلاد، مما ساعد على زيادة حركة هجرة اليهود إلى فلسطين.