منذ دخول نور محمد علي مرحلة الصف الثالث الثانوي، حبس البيت كله أنفاسه ونفذت الأسرة إجراءات مُشددة من أجل تيسير مرور نور من "عنق الزجاجة"، هذا العُنق الذي يحلو للبعض وصف عام "الثانوية العامة" به.
في غرفة مُكدسة بالكُتب والكراسات والأقلام تدرس نور، تمر كل حين على منضدة وُضع عليها "السكيت بورد/ لوحة التزلج" الخاصة بها، ترفع من عليها ذرات التراب التي تراكمت بمرور شهور العام المصيري، تخشى فقد موهبتها، بسبب ما تعانيه من ضغط نفسي يصاب به الطلاب في هذه السنة.
نور ليست وحدها، فشيوع الربط بين "الثانوية العامة"على أنها المحدد الأساسي للمسار المهني لكل طالب، إما الحصول على مجموع مرتفع يضمن الفوز بمقعد مناسب في الجامعة باختيار حُر، أو الرضا بأي مقعد متبقي بعد امتلاء مقاعد المرحلتين الأولى والثانية من التنسيق، لا يجعل الآلاف من الطلاب كل عام قادرين على الجمع بين ممارسة مواهبهم والدراسة.
تعشق نور أيضًا التصوير الفوتوغرافي، حاربت لبقاء موهبتها المفضلة في عام الضغط النفسي، استغلت الطريق من المنزل إلى الدرس الخصوصي في تصوير كادر معين، لكنها فشلت، شعورها بالضغط يجعلها لا تستطيع التركيز خصوصًا مع اقتراب الامتحانات.
ورغم احتفاظها بـ"لوحة التزلج"، إلا أن نور قطعت التواصل مع "جروب السكيت بورد"، الذي كانت تنزل معهم مرتين في الأسبوع لتمارس موهبة تساعدها على اللياقة البدنية، بعدها خسرت نور العديد من الأصدقاء بعد انقطاع التواصل بينهم، فكل منهم انشغل في الدراسة واختلفت مواعيد الدروس.
وبين الذهاب إلى الدرس الخصوصي أو الدراسة في المنزل وبضعة ساعات من النوم الذي صار قليلًا مع بداية شهر الامتحانات، يزدحم جدول نور دون القدرة على تخصيص ولو ساعة واحدة على الأقل لممارسة هوايتها، فهي تشعر بالذنب كلما حصلت على قسطٍ من الراحة، أو توقفت عن الدراسة، إذ تزدحم الأفكار في عقلها وتحذرها من خذلان نفسها وأسرتها.
مشاعر مشتتة ورعب، هكذا تصف نور أحاسيسها في هذه المرحلة: “كأني تايهة، مرعوبة، عندي لا مبالاة، توتر وقلق"، تعرف نور أن ممارسة الموهبة يخفف من حدة هذه المشاعر، ويحقق توازنًا نفسيًا بفعل ما تُحب.
عانت نور أيضًا، من زيادة الوزن وتساقط الشعر والهالات السوداء أسفل العينين، تقول: “كل ده حصل لأني باكل لما بتوتر، وأبكي كتير كل ما قربت الامتحانات".
ولم يختلف الأمر كثيرًا لدى محمد محمود، الذي يمارس الرياضة منذ الطفولة، لكن مع بداية عام "عُنق الزجاجة" توقف عنها.
ينظر في المرآة بحزن لفقده بنيانه الجسماني الرياضي وعضلاته، يسأل كل يوم: “متى ينتهى كل هذا واستيقظ من الكابوس وأمارس نشاطي الرياضي؟".
بين الدراسة والنوم، هكذا يقضي محمد حياته كل يوم، فهو مثل الآلاف ممن سلبتهم الثانوية العامة نشاطهم اليومي الطبيعي، لذا لا يخجل محمد من الاعتراف باحتياجه للعلاج النفسي والجسدي بعد نهاية الامتحانات، ينتظر الإجازة لا ليستأنف ممارسة الرياضة بل للذهاب إلى أطباء العظام لإصلاح "ضهره" الذي يؤلمه من وضعية الجلوس على المكتب.
أما على المستوى الاجتماعي، يعلق: “مع ضغط الدراسة توقفت عن التواصل مع البعض، منهم من تفهم ذلك وقرر دعمي، والبعض قطع العلاقة تمامًا".
أما شهد محمد؛ التي تكره الزحام وتفضل الذهاب إلى الحدائق والمشي على كورنيش النيل بدلًا من زيارة المراكز التجارية "المولات" المكدسة بالناس، ترسم في الحدائق لوحات مستوحاة من الطبيعة، فقد قاربت على سنة كاملة من الاضطرار إلى قاعات فصول الدروس الخصوصية المكدسة التي يصل فيها عدد الطلاب إلى 200 طالب وطالبة، نظرًا لمحدودية عدد المدرسين المتخصصين في مواد الصف الثالث الثانوي.
تخلت شهد عن موهبة الرسم، تقول: “نسيت إزاي برسم"، شعور قرب انتهاء العام يضفي شعورًا بالطمأنينة على شهد، وتضيف: “أخيرًا سأعود إلى الرسم وأصدقائي واستعيد صحتي"، فهي تعاني من آلام "الضهر" بسبب وضعية الجلوس لمدة قد تصل إلى خمس ساعات يوميًا فأكثر.
لا يملك كل من "نور" و"محمد" و"شهد" سوى انتظار نهاية الامتحانات الأسبوع المقبل من أجل العودة إلى حياتهم، لكن الخوف من الإخفاق وخسارة درجات في الامتحانات قد يفقدهم ما تبقى من الأمل، لذا قرروا جميعًا عدم مراجعة الإجابات بعد كل امتحان.
كتب/ت مريم أشرف
2023-07-06 15:54:21