#عيد_أوردِيحِي | تحتل اللحوم الصدارة في قائمة طعام موائد الأسر في #عيد_الأضحى_المبارك، صحن كبير مملوء بالأرز وبضعة قطع من الخُبز المحمص، وبينهم مكعبات لحم الضأن أو البقري، ويفوح من الصحن رائحة شوربة الثوم، لكن هذا العام ستخلو الموائد من الوجبة الرئيسية "الفتة".. في أكثر من تقرير من أسوان إلى بورسعيد، تابعنا عبر هذا الملف تأثير ارتفاع أسعار اللحوم البلدي على المستهلكين وعلى الجزارين الذين انخفضت مبيعاتهم في "عيد اللحمة".
في هذه الأيام كانت تستعد العائلات بمختلف مستوياتها الاقتصادية لشراء الأضاحي واللحوم مع اقتراب العيد أو "عيد اللحمة" كما يطلق عليه المصريون.
وبالرغم من أننا اعتدنا على أن يقوم الباعة بزيادة الأسعار مع اقتراب أي مناسبة ومن ضمنها الأعياد، إلا أن الارتفاع هذا العام مختلف؛ إذ قاد سوق المحال التجارية ومنافذ بيع اللحوم إلى ركود واضح فى البيع والشراء وبدء استعداد الأسر لخطط بديلة عن وجبة مائدتهم الرئيسية فى العيد، وبخاصة ذوي الدخول المنخفضة.
يتراوح حاليًا سعر كيلو اللحم في الأسواق المحلية بين 280 إلى 390 جنيهًا، حسب الأنواع، مقابل 130 إلى 200 جنيهًا في نفس الفترة من العام الماضي، بزيادة تصل إلى 100 % تقريبًا، بحسب ما رصدته "البورسعيدية".
يقول السيد أحمد، 40 عامًا، إنه وقع في أزمة لشراء لحمة العيد، بَلّ حتى محاولة توفير البروتين على مدار العام الحالي لأسرته المكونة من أربعة أفراد، ويقول لـ "البورسعيدية”: "أوفّر سعر كيلو اللحم البلدي لصالح شراء سلع أخرى تكفي لطعام ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع".
ويضيف: “مرتبي ومرتب زوجتي لا يكفي احتياجاتنا الأساسية لآخر الشهر، فكيف لي بشراء كيلو لحوم بلدي بسعر 350 جنيهًا، لذا قررت مقاطعة شراء اللحوم حتى في عيد الأضحى.. لن نموت إذا لم نأكلها".
ويخشى السيد من استمرار هذا الوضع كثيرًا، إذ لم تدخل اللحوم منزله منذ عدة شهور، يصف ذهوله كل مرة ينزل السوق، إذ يرى فئة كبيرة من الناس غير قادرين على شراء معظم السلع الغذائية الأساسية مثل الزيت والأرز.
أما اللحمة، فيقول عنها: “صارت من المستحيلات.. نحن نعيش الآن أزمة كبيرة، أعمل في إحدى مصانع الاستثمار جنوب بورسعيد ولم أحصل على زيادة في الراتب الشهري منذ أكثر من عامين، ومع ذلك جميع السلع تشهد زيادة جنونية، اختفت فرحة العيد وأصبح اقترابه يضغط نفسيًا عليّ كرب أسرة".
وأكد بيان لمديرية التموين والتجارة الداخلية في بورسعيد، وصول كميات كبيرة من اللحوم السودانية المجمدة بسعر 195 جنيهًا للكيلو، ولحوم برازيلية مجمدة بسعر 160 جنيهًا للكيلو، وأنه يتم التوزيع من خلال منافذ بيع الشركة العامة لتجارة الجملة التابعة لوزارة التموين.
لكن هذه الأسعار المُخفّضة مقارنة بمحلات الجزارة الخاصة، لم تثلج صدر محمد عوض، موظف حكومي، 35 عامًا، إذ يقول إن اللحوم المستوردة المجمدة غير الطازجة بمنافذ التموين ليس لها طعم أو رائحة، "هي أشبه بقطع بلاستيكية" على حد تعبيره، ومع ذلك في كثير من الأوقات لا تتوفر هذه اللحوم داخل منافذ التموين.
ولا يتوقع عوض انفراجة في الأزمة قريبًا، يقول: "ضخ كمية كبيرة من اللحوم المجمدة دون النظر لسوء جودتها ليس حلًا فعالًا، خصوصًا أنها تشهد أيضًا زيادة عن أسعارها العام السابق بنسبة تصل لـ100% حيث أن سعر كيلو اللحم البرازيلي يبلغ 160 جنيهًا، بينما كان يبلغ سعره 80 جنيهًا في العام الماضي".
ويضيف "عوض":"تعودت على شراء لحمة عيد الأضحى منذ الصغر ولا يمكنني تخيل العيد دون طبق الفتة في صباح أول الأيام، ولكن من الواضح أن الأعياد القادمة سوف تكون مائدة الطعام "أوردِيحِي" دون لحمة".
وقد ذكرت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام الحالي، أن 65.8% من الأسر تأثر نمط إنفاقها على السلع الغذائية وغير الغذائية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، كما أوضحت دراسة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أجريت خلال العام الماضي على أكثر من 6 آلاف أسرة فقيرة وشبه فقيرة من جميع أنحاء مصر أن 85% من الأسر خفضوا استهلاك اللحوم، مما يوضح فداحة الوضع الراهن حيث كانت الأسعار أقل من ذلك.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فقد تراجع نصيب المواطن المصري من اللحوم الحمراء من 10.7 كيلوجرام في عام 2017 إلى 7.3 كيلوجرام في عام 2020، ومن المتوقع أن يقل نصيب الفرد بنسبة أكبر أيضًا في هذا العام، وهو ما يشير إليه أحمد شهدة، الجزار، في حديثه عن قلة الإقبال هذا العام على شراء اللحوم.
يقول لـ"البورسعيدية": "قلة الإقبال خفضت الكميات المباعة بنسبة تصل إلى 50%، موسم عيد الأضحى هذا العام يشهد ركودًا لم نره من قبل، ولم نحقق هامش الربح المنتظر لأن هناك تكاليف زادت مثل الذبح والنقل وإيجار المحل ورواتب العمالة، بالإضافة إلى فواتير المياه والكهرباء والضرائب، ونعلم جيدًا الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الناس بسبب ارتفاع الأسعار، ولكن لن يبيع الجزار بالخسارة في ظل ارتفاع التكاليف".
ويستعرض “شهدة” أسعار اللحوم مُقارنة بأسعار العام الماضي، إذ أوضح أن سعر كيلو الكندوز قفز إلى 350 جنيهًا من 150 جنيهًا في العام الماضي، وارتفع سعر كيلو الضاني إلى 280 جنيهًا من 150 جنيهًا في العام الماضي، وأيضًا ارتفع سعر كيلو الكبدة إلى 360 جنيهًا من 180 جنيهًا في العام الماضي، وسعر كيلو الجملي إلى 280 جنيهًا من 140 جنيهًا في العام الماضي، وسعر كيلو الماعز إلى 380 جنيهًا من 150 جنيهًا في العام الماضي.
هذه الأسعار أصبحت تفوق قدرة أسر كثيرة، بينهم جدة على سن المعاش، تقول "أعيش في منزلي رفقة ابنتي المطلقة وولديّها، أتحصل شهريًا على 2000 جنيه معاش زوجي، بما يعادل قيمة خمسة أو ستة كيلوات لحوم بعد ارتفاع سعرها هذا العام، لذلك قررت اللجوء لبدائل على قد الايد"، ذلك كان لسان حال السيدة السبعينية فاطمة، والتي كان زوجها يعمل في سلسلة محلات تجارية تتبع شركة قطاع عام.
لا تتخيل فاطمة قفزات الأسعار، ترد بقلة حيلة: “تعبنا من ارتفاع الأسعار، عندما نذهب لشراء السلعة صباحًا نجد سعرها تغير ظهرًا، وأسعار اللحوم تحديدًا أصبحت خيالية، لذلك قررت مقاطعة اللحوم ولجأت إلى طرق الطعام القديمة التي لا يعتمد معظمها على طبخ اللحوم، مثل العدس والبصارة والكشري وسمك البساريا"، وهو قرار كثيرين ستخلو موائدهم في عيد الأضحى من اللحمة.