قديمًا كانت الخلافات في مصر تُحل بما يُعرفُ بـ"قعدة الصلح" التي يجتمع فيها كبار القرية والعائلة لفض اشتباك أو خلاف، وكأنها ساحة للتفاهم بين الأطراف المتنازعة، أما الآن حدث تحول جذري بعد وقوع عدة حوادث مؤخرًا لم تنته باستخدام العنف المُفرط فقط ولكن بشكل خاص الذبح كوسيلة لإنهاء الخلافات.
هذه الحوادث لم تقتصرْ على فئات معينة أو ظروف استثنائية، بل أصبحت ظاهرة تتكرر في مختلف المجتمعات والمحافظات بمصر، مما يثير القلق بشأنها، إذ أصبح البعض يرى في الذبح وسيلة سريعة وحاسمة لإنهاء النزاعات.
صباح اليوم، شهدت مدينة الأقصر في الصعيد، حادثًا مروعًا، إذ ذبح مضطربٌ نفسيًا موظفًا في مديرية التضامن الاجتماعي، يقطن في منطقة أبو الجود، وفصل رأسه عن جسده باستخدام سكين حاد، وحمل الرأس وظل يدور بها في المنطقة وسط حالة من الهلع.
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على المتهم فور ارتكابه الجريمة البشعة، وأظهرت التحقيقات أن الشاب القاتل مضطرب نفسيًا منذ سنوات، ويتعاطى المواد المخدرة، ويقوم بافتعال المشاجرات مع الجيران، ودخل موظف التضامن في خلاف بسيط معه دفع ثمنه حياته.
لو كانت الحادثة الأولى في مصر، ما كان سيُسلط الضوء الأحمر عليها، لكن في 8 يناير الماضي، ذبح عامل في محافظة سوهاج شقيق زوجته بعد نشوب خلافات بينهم، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو للدماء وهي تغرق شوارع قرية دار السلام وسط صرخات مدوية لشقيقة المجني عليه.
هذا التحول الحاد في الأساليب يثير تساؤلات حول العوامل الاجتماعية والنفسية التي ساهمت في تراجع ثقافة التسامح والصلح، وهل أصبح الذبح هو الحل الأسهل لمواجهة الخلافات اليومية بين المصريين؟.
أسباب جرائم الذبح
يعزي الدكتور محمد الهادي، الاستشاري النفسي، استسهال الذبح كوسيلة لإنهاء الخلافات إلى الأوضاع الاقتصادية الضاغطة على أفراد المجتمع المصري، مما أدى إلى تفشي الاضطرابات النفسية والعقلية، فضلًا عن اختفاء الوازع الديني بينهم.
ويرى في حديثه لـ"صوت السلام" أن تلك الضغوط تؤدي إلى تضاعف العنف المنزلي وفي الشوارع وتصل إلى القتل والذبح لإنهاء الخلافات، لا سيما أن مصر تحتل المرتبة الثالثة عربيًا من حيث معدلات الجريمة والقتل، وهو مؤشر خطير يهدد استقرار المجتمع.
لا يوجد إحصاء رسمي عن معدلات الجريمة في مصر، ولكن وفق مؤشر "نامبيو" (قاعدة بيانات عالمية تهتم بتقييم مستوى الجريمة)، بلغ معدل الجريمة في مصر 47.3% خلال العام 2023، مما جعلها تحتل المرتبة الثالثة عربيًا في مستوى الجريمة، والمركز الـ18 على مستوى إفريقيا، و66 عالميًا.
يعلق الدكتور الهادي على حادثة الأقصر: "بالنسبة للجانب النفسي للأفراد في هذه الحادثة، فإن تفاقم البطالة نتيجة للأزمة الاقتصادية، إلى جانب نقص التوعية بالقانون وتطبيقه في الإعلام، قد ساهم في تعزيز شعور غياب العدالة الاجتماعية، مما يشجع الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية على ارتكاب الجرائم".
ويؤكد أهمية تعزيز الجانب الديني في المجتمع كوسيلة لمقاومة هذه الأفكار السلبية، وتحفيز الأفراد على التعامل مع الضغوط النفسية بطريقة إيجابية، مبينًا أن استسهال الذبح انتشر في مصر خلال آخر عامين منذ حادث ذبح نيرة أشرف.
في 21 يونيو العام 2020، استيقظت محافظة المنصورة على حادث كان حينها جديدًا من نوعه، وهو ذبح نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، التي قام زميلها محمد عادل بقتلها أمام بوابة الجامعة بعد أن رفضت الارتباط به، وبعد مرور عام نفذت مصلحة السجون بجمصة حكم الإعدام على الجاني.