زيادات شكلية وتآكل فعليّ.. لماذا لا تشعر أسر مصرية بالإصلاح الاقتصادي؟

تصوير: تصميم/ باسم حنيجل

كتب/ت مريم أشرف
2025-03-10 18:51:00

لم تتغير ملامح سلوى محمد، ربة منزل، وهي تسمع إعلان مجلس الوزراء عن ضخ حزمة اجتماعية جديدة خلال مارس الحالي، رغم أنها واحدة ممن ينطبق عليهم تلك الزيادات، إلا أنها لم تعد تشعر بأي فرق، إذ اعتادت على سماع مصطلح "الإصلاح الاقتصادي" مرارًا وتكرارًا، حتى حفظته عن ظهر قلب، لكن دون أن يلمس أثره حياتها اليومية.

تقطن سلوى في منطقة دار السلام بمحافظة القاهرة، وهي أم لأربعة أبناء، وإحدى المستفيدات من معاش تكافل وكرامة البالغ 700 جنيه، بينما زوجها عامل باليومية يتوسط دخله الشهري بين 3 إلى 5 آلاف جنيه على حسب حاجة العمل.

مرّ على الأسرة 7 حزم اجتماعية شملت زيادات في معاش تكافل وكرامة ورغم ذلك لا يشعرون بها: "كل مرة أي زيادة بتأكلها الأسعار بالتالي كأنها محصلتش غير أنها زيادات بسيطة مش مناسبة مع الحاجة اللي كل يوم بتغلى".

لا أثر للزيادات

سلوى وأسر مصرية أخرى باتت لا تشعر بالحزم الاجتماعية، فكل زيادة تُعلن تقابلها قفزات في الأسعار تلتهمها قبل أن تصل إلى أيديهم، مما يجعل الأثر الفعلي لهذه الزيادات محدودًا وربما معدومًا.

يبحث هذا التقرير خلف تساؤل كيف أصبحت الحزم الاجتماعية مجرد أرقام لا تعكس واقع الأسر محدودة الدخل؟، حيث تتزايد الفجوة بين الدخل والاحتياجات اليومية، ومن خلال شهادات حيّة وجدنا أن الشعور بعدم جدوى هذه الزيادات أصبح واقعًا مشتركًا بين أسر مصرية تكافح للمعيشة وسط تضخم مستمر.

يعيش حوالي 12 مليون أسرة تحت خط الفقر في مصر، بينما تصل  نسبة الفقر إلى 29.7%، وفق آخر تقرير منشور من بحث الدخل والإنفاق لعام 2019/2020، مما يعكس تزايد الفقر بشكل مستمر منذ عام 2000 رغم الحزم الاجتماعية بحسب التقرير.

وفي فبراير الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء مصطفي مدبولي عن حزمة اجتماعية جديدة، تضخ خلال الثلاثة أشهر القادمة، وتشمل الحزم الاجتماعية زيادة في برنامج تكافل وكرامة، المعاشات، أجور الموظفين.

لا تأثير في معاشات تكافل وكرامة

تكافل وكرامة هو أحد برامج الحماية الاجتماعية التي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي في مصر عام 2015، بهدف تقديم دعم نقدي مباشر للأسر الفقيرة والفئات الأكثر احتياجًا، في إطار جهود الدولة لتخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة.

يستفيد منها 22 مليونًا على مستوى الجمهورية، بإجمالي 5.2 مليون أسرة، ويُصرف يوم 15 من كل شهر، لكن لا يوجد إحصاء رسمي يوضح حجم الزيادة التي حدثت في معاش تكافل وكرامة، لذا أنشأت "معدة التقرير" قاعدة بيانات خاصة تتبعت فيها تلك الزيادات في الفترة من 2017 - 2024.

بلغ المعاش حين انطلق البرنامج فعليًا في العام 2017 قرابة 325 جنيهًا شهريًا وزاد 7 مرات حتى العام 2024 بمتوسط زيادة بلغ 75.14 جنيه ما يعادل 1.48 دولار بنسبة انخفاض بلغت 42.68%، لوجود سنوات لم تزد فيها معاشات تكافل وكرامة وهي 2020 و2022 أما في العام 2021 كانت الزيادة 25 جنيهًا فقط.

تحكي سلوى عن معاناتها في تلبية احتياجات أسرتها الأساسية، فاتورة الكهرباء والمياه والغاز تستهلك جزءًا كبيرًا من دخلهم، بينما تبقى المصاريف اليومية عبئًا متزايدًا: "كيلو اللحمة بقى حلم، والخضار اللي كان أرخص حاجة بقى بأضعاف سعره، إحنا بنحسبها على القرش عشان نكمل الشهر"، لم يعد الحديث عن الدعم الاجتماعي يعني شيئًا بالنسبة لـ"سلوى".

انخفاض ميزانية الموازنة العامة

ترجع سلمى حسين، الباحثة في العدالة الاقتصادية والاجتماعية، شعور سلوى، إلى أن ميزانية الحماية الاجتماعية في الموازنة العامة تقل سنويًا، بالإضافة إلى تراجع نصيب الفرد من الإنفاق العام في الصحة والتعليم.

توضح لـ"صوت السلام": "يعكس ذلك شعورًا لدى الأسر بعدم وجود تأثير حقيقي لأي حزم اجتماعية، إلى جانب التضخم الذي يبتلع الزيادات".

بحسب مؤشر هانكي للتضخم، ارتفع معدل التضخم في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة بنسبة 60%، بينما يشهد معدل تضخم الغذاء تسارعًا ملحوظًا، حيث ارتفع بنسبة 0.53% وفقًا لتقرير البنك المركزي الصادر في نهاية فبراير الماضي، مما يعكس استمرار الضغوط الاقتصادية على الأسر المصرية.

بينما ترى الباحثة الاقتصادية، أن التضخم وفقًا للتعريفات الاقتصادية، يعد ضريبة غير عادلة يتحملها الفقراء، في حين أن هناك أنواعًا أخرى من الضرائب يمكن أن تساهم في تحسين الاقتصاد، وتتحملها شرائح اجتماعية مختلفة، موضحة أن هذه الضرائب قد تزيد من إيرادات الدولة، مما يسمح بتوجيهها إلى برامج شاملة وقطاعات حيوية مثل التعليم والصحة.

المعاشات.. حزم اجتماعية لم تمر منها

كذلك لم يعد للحزم الاجتماعية وقع على نفيسة محمود، 60 عامًا، التي تشعر بالمعاناة ذاتها، لكنها لا تزال تنتظر أي تحرك جديد في معاشها البالغ 2300 جنيه، رغم إدراكها أن أي زيادة لن تكون كافية لسد الفجوة بين دخلها والواقع، تقول بنبرة يائسة: "أنا ثابتة في مكاني من سنين، الدنيا بتجري حواليّا وأنا مش قادرة أجري معاها، الأسعار بتسبقني وأنا واقفة مكاني".

تحتاج نفيسة إلى ما يقارب 10 آلاف جنيه شهريًا لتغطية نفقات معيشتها الأساسية، بالإضافة إلى تكلفة رعايتها الصحية، حيث تعاني من السكري وارتفاع ضغط الدم، ما يستدعي متابعة طبية شهرية لم تستطع تحمل تكلفتها منذ 6 أشهر: "نفسي أدخل عيادة وأتابع مع دكتور زي زمان، لكن الحلم ده مش هيحصل، لأن الزيادة المتوقعة هتكون 500 جنيه على أقصى تقدير".

تدخل المعاشات ضمن برامج الحماية الاجتماعية التي توفرها الدولة للمواطنين الذين تخطوا سن الـ60 عامًا، وبحسب قاعدة بيانات "باشكاتب" في الفترة المذكورة فإن زيادة المعاشات يكون لها شقين، الأول هو الحد الأدنى والذي بلغ في العام 2017 نحو 150 جنيه والثاني هو الحد الأقصى والذي بلغ 550 جنيه في نفس العام.

وزادت المعاشات 7 مرات خلال تلك الفترة كان متوسط الزيادة بالنسبة للحد الأدنى 141.88 جنيه والحد الأقصى 1067.81 جنيه، بما يعادل من 2 إلى 21 دولارًا، بحسب قاعدة بيانات أنشأتها "معدة التقرير".


التضخم يبتلع الأجور 

مثلما تبتلع موجات التضخم الزيادات في برنامج "تكافل وكرامة" والمعاشات، يواجه عبدالهادي شعبان، رب أسرة، يقطن في دار السلام، واقعًا مشابهًا مع الأجور، إذ لم يشعر بأي تحسن رغم الزيادات الأخيرة، وآخرها قرار المجلس القومي للأجور في فبراير الماضي برفع الحد الأدنى من 6000 إلى 7000 جنيه.

الأجور أيضًا وفق قواعد البيانات التي انشأتها "معدة التقرير" زادت 7 مرات بمتوسط 920 جنيه ما يعادل 18.15 دولار، وكان أعلى زيادة للأجور العام الماضي بـ2400 جنيه.

لكن تلك الزيادة لم تكن كافية لمواجهة التزامات عبدالهادي، لذا مع احتياجات أبنائه الثلاثة للمدارس والعلاج، اضطر لاستدانة 10 آلاف جنيه، ثم 5 آلاف أخرى، ليجد نفسه غارقًا في ديون بلغت 15 ألف جنيه، مقابل راتب شهري 8 آلاف جنيه يحصل عليه من عمله محاسب في إحدى شركات القطاع الخاص.

ورغم أنه بالكاد يغطي احتياجات أسرته الأساسية، إلا أنه لا يزال يبحث عن أي بصيص أمل، يقول: "أتابع الأخبار لا سيما التي تخص الحزم الاجتماعية وفي كل مرة يتجدد الأمل لدي أن تكون الزيادة مناسبة للأسعار وسرعان ما يختفي الأمل بسبب زيادة الأسعار، وخلال الشهر إذا مرض أحد أبنائي تكون بمثابة كارثة لأنه خروجًا عن الميزانية".

هذا الشعور لا يقتصر على عبدالهادي وحده. الأمر ذاته واجهته سلوى حين أصيب ابنها هذا الشتاء بالسعال الشديد، وتطور إلى مضاعفات صحية أثرت على نومه وتغذيته. 

بحثت عن طبيب صدر في دار السلام، لكنها صُدمت حين علمت أن الكشف وحده يكلف 600 جنيه، أي ما يعادل قيمة المعاش الذي تحصل عليه من تكافل وكرامة.

لم تجد خيارًا سوى التوجه إلى مستشفى المنيرة العام بالسيدة زينب، حيث اضطرت للانتظار أربع ساعات قبل أن تتمكن من إدخال ابنها إلى الطبيب، في مشهد يعكس كيف تتحول الأزمات الصحية البسيطة إلى عبء ثقيل على الأسر ذات الدخل المحدود.

متى نشعر بالإصلاح الاقتصادي؟

تجيب سلمى الباحثة الاقتصادية على سؤال "متى تشعر الأسر بأثر الحزم الاجتماعية؟" قائلة: "أعتقد أن المواطن سيشعر بتحسن حقيقي في الاقتصاد عندما نسيطر على التضخم، ونضع سياسة واضحة لمعالجته".

توضح: "شهدت مصر خلال العامين الماضيين أطول موجة تضخمية، مما جعل التحكم فيها أمرًا بالغ الصعوبة، وللوصول إلى تحسن ملموس في الأسعار، ينبغي أن ينخفض التضخم إلى 9%، ذلك لأن زيادة المعاشات والأجور، مهما كانت مرتفعة، لا تحقق أثرًا فعليًا في ظل التضخم".

وتقدم سلمى رؤية أخرى بشأن الإصلاح الاقتصادي: " على سبيل المثال رفع سعر البنزين لا يسبب تأثيرًا كبيرًا في الاقتصاد الكلي للدولة، إلا أن تأثيره التضخمي مرتفع ويؤثر بشكل ملحوظ على احتياجات الأسر الأساسية، لذا يمكن تحرير دعم الغاز والكهرباء الخاص بالشركات دون تحميل الأسر هذا العبء".

التخطيط والأجور.. يرفضان التعليق

حاولت "صوت السلام" التواصل مع رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ورئيسة المجلس القومي للأجور، للرد على تساؤل متى يشعر المواطن المصري بالإصلاح الاقتصادي، لكن لم نتلق رد على الهاتف وتطبيق "واتساب" حتى كتابة التقرير، أما حنان نظير مستشارة المجلس القومي للأجور رفضت التعليق.

لا تهتم سلوى ونفيسة بالحزم الاجتماعية المقبلة، ويتشارك ذات الشعور معهم شعبان، رغم مرور الثلاثة بـ7 زيادات في (تكافل وكرامة، المعاشات، الأجور) إلا أن أثرها يكون لحظيًا، يتلاشى سريعًا أمام موجات الغلاء المتلاحقة.

يقول شعبان: "كل مرة بنسمع عن زيادة جديدة بنفرح للحظة، لكن الأسعار بتسبقها بخطوات، نرجع لنفس النقطة.. بندوّر على حلول نكمّل بيها الشهر".

أما نفيسة، فقد فقدت حتى تلك الفرحة المؤقتة، فلم تعد تعلّق أي آمال على زيادة المعاشات، بعدما أدركت أن بضعة مئات من الجنيهات لن تشتري لها دواءً ولا تكفي لزيارة طبيب.

بالنسبة لـ"سلوى"، الأمر لم يعد يقتصر على فقدان الأمل، بل أصبح الحديث عن الدعم الاجتماعي مجرد خبر متكرر: "اللي بيزيد بالجنيهات، بيغلى بالآلاف، إحنا في نفس الدايرة بنسمع عن زيادات، لكن جيوبنا ما بتحسش بيها".