إلى السيدة التي أراها كل يوم في السوق..
تحية طيبة وقوية مثل روحك، وبعد..
أكتب لكِ حتى أحاول أن أعبر عن الحالة التي تتسببين فيها لي كلما رأيتكِ، تؤثرين على حياتي وأفكاري، أكتب على أمل أن يكون لديكِ فرصة لتقرأي هذه الكلمات ذات يوم، حتى وإن كان حظك سيئا ولم يوافق والدكِ على أن تدرسي بـ"كُتَّاب" القرية، لأنه كان يرى أن محمد ابن عمك درس في "الكُتَّاب"، وأن نصيبكِ من العلم سيكون في بيت الزوجية مع محمد، لكنه لم يكن يدرك أن نصيبكِ من العنف سيكون أيضاً معه.
رأيتكِ من حكايتكِ، رأيتكِ من عيونكِ، رأيتكِ وسط شوارع قريتكِ، طفلة شعرها مموج مصبوغ بالحنة المنزلية التي كانت تصنعها أمكِ، ترتدين فستانا مُشجَّرا بالورد الأحمر والوردي، الذي كان من نصيبكِ بعد أن ارتدينه ست بناتٍ من العائلة غيركِ، لكن ذلك اليوم كان أول يوم ترتدينه، كنتِ سعيدة كأن الفستان صُمِّم لكِ، كعادتكِ ترضين بما هو أقل من حقوقكِ، رضيتِ عندما قرر محمد زوجك أن يكون بخيلا ولا يعطيكِ نصيبكِ من العلم.
أتخيل لو كان محمد علمكِ القراءة، أظن أنكِ كنتِ ستحبينه أكثر، وأظن أني كنت سأعطيكِ هذه الرسالة، من الممكن أن تكون لطيفة لبداية يومكِ، قد تحتفظين بها في "الكيس" القماشي الذي تعلقينه في رقبتكِ، تضعين فيه أموالكِ وذكرياتكِ وورقة مكتوبا فيها آية الكرسي.
لكن الغريب الذي أود أن أسألك عنه رغم أنه ليس من حقي، حين كنت أشتري منك الطماطم الأسبوع الماضي، أخذتي مني النقود ووضعتيها في "الكيس"، لمحتُ صورة لشاب وسيم، رغم أنكِ أخبرتيني ذات مرة أنكِ لم ترزقي بأطفال، وأن زوجكِ قرر أن يتزوج مرة أخرى لهذا السبب، فمن هو هذا الشاب الوسيم؟ وأحياناً أفكر في أنه أخيكي الذي مات في حرب فلسطين، فأنتِ كنتِ مدافعة جيدة عن القضية، وأحياناً أخرى أتخيله حبيبكِ، تلتقيان على الكورنيش وتأكلان الذرة، بعد أن تبيعي كل الخضار الموجود لديكِ.
أكتب لكِ لأني مازلت أشعر بروح الطفلة داخلكِ، التي تترك أثرا طيبا على حياتي، روحكِ هي الشيء الوحيد الذي لم يستطيعوا سلبه منكِ، لأنكِ حالة، لأنك حبيبة جيدة وبائعة ذكية، وبالتأكيد كان يمكن أن تكوني قارئة أذكى.