فيلم "مجاذيب القرافة" .. 11 باحث يسردون تاريخ "الإمام الشافعي" قبل الهدم

بوستر الفيلم

كتب/ت مريم أشرف
2024-10-31 15:36:35

شهدت مقابر الإمام الشافعي في الآونة الأخيرة، فصلًا جديدًا من الهدم، بعد نشر صورة قبة مدفن "مستولدة محمد علي باشا" الشهير بمدفن "حليم باشا، مما أثار حالة من الغضب الشعبي، في نفس الوقت التي نشرت فيه مبادرة "سيرة القاهرة" فيلمًا عن مقابر القاهرة التاريخية، بعنوان "مجاذيب القرافة". 

"سيرة القاهرة" هي مبادرة مستقلة تعمل على توثيق تراث مدينة القاهرة، فيما جاء الفيلم من إخراج عبد العظيم فهمي- مؤسس المبادرة- وجمال زكي، ومن إنتاج سيرة القاهرة وشركة Beyond Depth، ويحكي الفيلم في مدة تصل إلى 44 دقيقة تاريخ المقابر الإسلامية في القاهرة.  

من الكادر الأول حتى زر النشر

في يونيو 2023 التقط عبد العظيم فهمي أول كادر بكاميرته للفيلم، بدأ في التحرك ووضع خطة زمنية مع باقي فريق العمل، لم يكن التاريخ المُشار إليه اعتباطًا، بل لأنه أُعملت يد البلدوزر في عدد من مدافن المشاهير والشخصيات العامة في ذلك الوقت، حتى أن الرقم الرسمي المُعلن وقتها كان إزالة 2700 مقبرة بحسب تقارير صحفية، وذلك لأن تلك المقابر تتداخل مع مخطط بناء محور "جيهان السادات"، الذي يأمل في ربطه بين منطقة وسط القاهرة والمحاور الرئيسية للعاصمة، وصولًا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وفقًا لـ"خريطة مشروعات مصر". 

استمرت رحلة الفيلم لمدة عام، مع باحثين في تاريخ جبانات القاهرة الإسلامية، بهدف توثيق تاريخ "قرافات" القاهرة، وسرد أهمية هذا التراث.

وبحسب حديث فهمي لـ"صوت السلام"، قال إن الفيلم اعتمد على ثلاثة محاور يناقشوا من خلال 11 موثق وباحث، يتحدث المحور الأول نشأة القرافة وتاريخها، فيما يناقش المحور الثاني مُكونات القرافة الفنية والجمالية والعمرانية، بالإضافة إلى تاريخ الشخصيات المدفونة، ويحكي المحور الثالث علاقة الموثقين والباحثين الإنسانية والحميمية بالمقابر، وسنوات دراستهم لها.

وبسبب المحور الأخير في الفيلم، اختار فهمي عنوان "مجاذيب القرافة"، قائلًا "سمّينا الفيلم بالاسم ده لأن الـ11 موثق مش مجاذيب بمعنى فاقدي العقل، بل هم مجاذيب ندهتهم نداهة القرافة وقدروا يوثقوا حاجات كتير من المكان، كل واحد منهم وثق بكاميرا أو كتابة أو بحث، مهارات متعددة ومختلفة قدرنا نرصدها في الفيلم".

وصل عبد العظيم فهمي لفكرة الفيلم، نتيجة بحثه ومبادرته التي تعمل بالأساس على تاريخ القاهرة، لكن ما زاد شغفه لإنتاج الفيلم هو توقعاته بهدم مقابر الإمام الشافعي، فقبل بداية الهدم، كان قد جرى هدم مقابر السيدة نفيسة وباب الوزير، الطحاوية وسيدي جلال وسيدي عمر، في عام 2021، لتطوير طريق صلاح سالم.

وبالفعل صدُق فهمي في توقعاته، إذ بمجرد انطلاق فريق العمل في صناعة الفيلم، كانت معاول الهدم في طريقها لإزالة المدافن.  

دقائق معدودة قبل الهدم

واجه صناع الفيلم تحديًا عظيمًا، وهو منافسة الزمن قبل فُقدان المقابر التاريخية للأبد، وهو ما يقوله جمال زكي -مونتير ومخرج مشترك في الفيلم-، مُضيفًا في حديثه "كنا نشعر خلال زيارة المدافن للتصوير أنها ستكون الزيارة الأخيرة، وقد يختفي المكان بعدها، لذلك كان المصورون يلتقطون الكثير من الصور والفيديوهات، حتى لا يفقدوا جزء مهم في رحلة توثيقهم".

إلى جانب التحدي الأمني في التصوير داخل المدافن، كذلك التعامل مع المعلومات الكثيرة عن المدافن وخلق حبكة فيلم وثائقي منها، يوضح زكي أن مرحلة إعداد الفيلم ووضع محاور محددة له ساعدت الصناع في التعامل مع المادة، مما سهّل من عمله على "المونتاج".

قرر زكي العمل على الفيلم، رغم أنه ليس باحثًا، فهو مخرج ومونتير متخصص في الأفلام الوثائقية فحسب، لكن حبه للتراث وتاريخ القاهرة دفعه للعمل، إلى جانب حزنه على هدم هذا التراث، كما اتفاقه مع فهمي على رؤية إخراجية واحدة؛ وهي توثيق هذا الجزء من التاريخ قبل هدمه، وسرد مشاعر الموثقين تجاه القرافة، عن طريق رمزية فتح الباب وغلقه التي يبدأ وينتهي بها الفيلم. 

ردود الأفعال 

عُرض الفيلم يوم الأحد الماضي الموافق 27 أكتوبر، والمستمر عرضه حتى اليوم الخميس 31 أكتوبر، ويفسر فهمي سبب تحديد مدة عرض الفيلم إلكترونيًا "لأننا مهتمين بطرحه مرة أخرى بنسخة الترجمة لعدة لغات"، حتى ينطلق خارج حدود مصر، مؤكدًا على رغبتهم في تقديمه بمهرجانات الأفلام أو المسابقات، بهدف تسليط الضوء على أهمية هذا التراث. 

في خلال ثلاثة أيام، مدة عرض الفيلم حتى الآن، وصل عدد المشاهدات على موقع "اليوتيوب"، إلى 23 ألف مشاهدة، كما رُوّج للفيلم على مواقع التواصل، فيما وصلت عدد مشاركات الفيلم على "الفيسبوك"- حتى نشر التقرير- إلى 260 مشاركة، معبرين عن حزنهم الشديد لهدم هذا التراث، ويعلق فهمي على ردود الأفعال "الحمدالله الرسالة وصلت"، كما يتفق معه زكي بأنه منبهر بتلقي المشاهدون للفيلم، وهو ما أراده صناع الفيلم بالأساس.

التقط فهمي آخر لقطات الفيلم، في يونيو 2024، لتكون الخاتمة مرثية في الإمام الشافعي -حسب وصف فهمي- من داخل ضريحه وتحت قبته، والمهددة حاليًا بالهدم، إذ ينتهي الفيلم بصوت عذب لمنشد ديني "أنسيت أن الموت يأتي؟ .. فاجمعي يا نفس من طيبة وإحسان"، ويختتم الفيلم بكادر واسع مميز لوقت الغروب داخل مدينة الموتى، التي في طريقها للاندثار الآن، ماحية معها جزء هام من هوية القاهرة التاريخية.