جاءوا من كل صوب وحدب، في قلبهم عشق وعلى ألسنتهم ذكر ومديح، هنا اجتمع المحبين من كل المحافظات أمام مسجد السيدة زينب، يحتفلون بمولدها في الليلة الختامية، في آخر ثلاثاء من شهر رجب، فلا يوجد موطأ قدم أمام المسجد بالليلة الكبيرة للمولد.
على اليمين واليسار تنتشر الخيم والتي قد يظن البعض أنها لأهل القاهرة والجيزة لقرب المسافات من المسجد، لكن حقيقة الأمر أن أكثرهم من محافظات وتحديدًا الصعيد، دفعهم حب السيدة زينب إلى المجيء رغم المشقة.
«مدد يا آل البيت... يا ستنا زينب يا بنت ابن محمد».. بلهجة صعيدية يغني عبداللطيف الباري، الذي جاء من أسوان وزار المولد خلال العام 2016 لأول مرة، وشعر براحة شديدة جعلته يأتي كل عام ويتعلق بالزيارة رغم ظروف العمل.
يأخذ عبداللطيف وأصدقائه من أسوان، قطر درجة ثانية المتجهة إلى القاهرة، لا يشعرون بالتعب يتسامرون وينشدون الأناشيد الدينية والمديح حتى يصلوا إلى المسجد.
برفقة عبداللطيف صديقه محمد البدر، من أدفو 41 عامًا، وبدأ في زيارة المولد من العام 2001، ومن وقتها كل عام يأتي إلى المسجد وإلى الآن حضر الاحتفال 22 مرة، إلى جانب زياراته إلى موالد الحسين والسيدة عائشة والسيدة فاطمة وصالح الجعفري، ويصف شعوره في الموالد: «لما بزور الصالحين بحس أن انكتبلي حج على قد فلوسي».
من الأقصر، وصل فتحي المنشاوي، 54 عامًا إلى مسجد السيدة زينب، إذ اعتاد على الحضور منذ فترة التسعينيات، ثم امتنع خلال فترة كورونا، ولكن خلال هذا العام شعر أن أم هاشم تناديه وتطلب منه أن يحضر حفل مولدها، لمست قدماه أرض السيدة زينب، فعادت له كل الذكريات الروحانية التي عاشها فيما سبق وحضر الاحتفال كاملًا.
على عكس محمد الذي جاء من الأقصر، وحضر فقط الليلة الختامية للمولد بسبب ظروف عمله، مقترض أموال الرحلة من أحد أصدقائه، قاطعًا مسافة 870 كيلو متر بين أسوان والقاهرة، لكنه قرر المجيء بهدف تلبية نداء أم هاشم له كما يقول.
كانت تراوده السيدة زينب في أحلامه خلال الشهور التي تسبق المولد، يقول: «زيارة آل البيت تجعلني أنسى الهم والتعب، هي اللي داعتني من آخر مصر علشان عارفة همي ومشاكلي طول السنة».
ربما يتخيل البعض أن المحبين يأتون من داخل مصر فقط، لكن المولد شهد حضور المحبين من الخارج. رحلة أخرى من السعودية إلى القاهرة خاضها وليد عبدالحميد، 36 عامًا، قادمًا من أرض النبي والصحابة، كي يحضر مولد حفيدة النبي.
كان يشارك في الغناء والمديح من قلبه: «لبيت طلب السيدة، فأنا متعلق بالذكر والمديح والأناشيد، تركت العمل والبلد وجئت مهرولًا لها، فهنا تزول كل الهموم، ونأمل أن نعود في الأعوام القادمة».
صباح اليوم كان الجميع على موعد مع الرحيل، بعدما انتهى الاحتفال بأم العواجز، من سيعود إلى محافظته حاملًا راحة في قلبه على أمل بالعودة العام القادم، ومن سيسافر خارج البلاد فرقتهم لقمة العيش والحياة وكل عام يجمعهم حب السيدة زينب.
ومثلما كانت تفعل أم العواجز قديمًا بمساعدة المساكين فعلت ذلك في مولدها والذي كان مصدر رزق للبعض، الذين أتوا من محافظات بعيدة أيضًا. سيد عبده، 54 عامًا، يقف في محيط المسجد بالليلة الختامية وسط ألعاب أطفال، يتراوح سعرها بين 10 و 20 جنيهًا.
انتقل سيد من طوخ بالقليوبية، كي يبيع بضاعته للأطفال في المولد: «أنا جاي استرزق من المولد.. الدنيا صعبة ولازم أطلع قرش، ومسافة السفر البعيدة وتكاليف المواصلات غالية، لكن أم العواجز مبتردش حد».
قرر سيد في ذلك الاحتفال أن يقضي يومه كله في محيط المسجد، وسط فرحة الزوار وشرائهم للألعاب، وعندما تهدأ حركة البيع يرتاح قليلًا على كرسي ويحتسي الشاي مستمتعًا والروحانيات التي تدور حوله.
لمدة 4 أيام لم يخلد سيد فيهم للنوم إلا ساعات قليلة، إذ ينتظر المولد من كل عام من أجل أن يحصل على مكسب من بيع لعب الأطفال في مولد السيدة زينب، إذ عاد صباح اليوم مجبورًا ككل المحبين.