بمجرد أن تطأ قدمك شارع بورسعيد في تلك الليلة، تشعر بأن شيئًا روحانيًا يختلج صدرك، الزحام شديدًا ورائحة البخور منتشرة، تسمع الذكر في كل مكان من قبل أن تقترب، وكلما اقتربت أتتك أصوات المديح والإنشاد، وتجد الحاضرين يهيمن عليهم حالة لا يمكن تفسيرها، لن يطول انتظارك حتى تعرف من الخيم المنتشرة أنها الليلة الختامية لمولد السيدة زينب.
«مدد يا ست.. يا أم العواجز»، لا صوت يعلو فوق تلك الكلمات في محيط المسجد، فهنا جاء المنشدين ليعبروا عن حبهم ومدحهم للسيدة، ومن أقصى المحافظات سافر المريدون والمحبون للاحتفال، الذي كان مختلفًا هذا العام في مسجد السيدة زينب.
المسجد ما زال مغلقًا للتطوير، ورغم ذلك جاء المحبين وضعوا خيامهم بجانب الرمل والأسمنت المتراكم أمام البوابات، حتى أصبح المشهد كالآتي العمال في الداخل يطورن مقام السيدة زينب وجامعها، والمحبين في الخارج ينشدون ويهيمون في حب السيدة.
لماذا يأتي المحبون كل عام من كل مكان؟. تجيب حنان فرغلي، إحدى الزائرات للسيدة في الليلة الكبيرة، فهي اعتادت الاحتفال منذ طفولتها رغم أنها من محافظة أسيوط، وحين انتقلت بعد الزواج إلى القاهرة ظلت تمارس نفس العادة.
كان هذا العام مختلفًا لديها، بسبب غلق المسجد في الاحتفال، إلا إنها تأتي رغم افتقادها للزينة والأنوار التي كانت تعلق على المسجد والحالة التي بداخله، تجلس بالخارج ولا تنظر له: «عشان مشوفش مسجد حبيبتي ومقامها وهو مطفي».
من أسوان إلى أم العواجز، خاض ماهر أبو زيد، 50 عامًا، رحلة طويلة لحضور مولد السيدة زينب، يشعر بمجرد أن تطأ قدمه القاهرة بحالة روحانية تزداد حتى يصل إلى المسجد ولا تختفي إلا بالرحيل.
يقول: «زعلانين عشان المسجد مقفول، لما بيتقفل بنقول أن كدة مفيش أم هاشم»، اختلفت الطقوس لكن ماهر لديه أمل بأن يأتي العام القادم ويستقبله مسجد السيدة زينب مفتوح الأبواب.
منذ العام 2020 ومسجد السيدة زينب مغلق بناء على خطة تطوير أعلنها موقع مشروعات مصر التابع إلى رئاسة الجمهورية، تشمل تطوير 3601 مسجد على مستوى الجمهورية، بسبب تهالك البنية التحتية لهذه المساجد بتكلفة 2,767 مليار جنيه.
لا يهتم فرج السيد، 56 عامًا، بتلك التفاصيل، كل ما يرغب فيه هو أن يأتي من القليوبية كل عام في الليلة الختامية ويجد مسجد السيدة مفتوحًا في استقباله، بسبب اعتياده على الصلاة في المسجد في تلك الليلة.
يقول: «من تلات سنين والمسجد مقفول، بحس بوجود السيدة حواليا رغم أن المقام مقفول، إحنا بنحب أم هاشم وعايزين نشوف المقام»، إلا أنه يحضر حلقات الذكر والإنشاد والمديح خلال الليلة الختامية للسيدة.
أما رمضان سيد، 30 عامًا، كانت المرة الأولى التي يزور فيها مولد السيدة، إذ إنه من محافظة الغربية، شعر بحالة من السحر لا سيما حين حضر حلقة ذكر على الطريقة الرفاعية، وحوله المنشدين والمحبين.