شقق فندقية بأسعار بَاهِظة.. القصة الكاملة لأرض "متحف بورسعيد القومي" (1)

تصوير: مؤمن مسعد - القصة الكاملة لأرض "متحف بورسعيد القومي"

كتب/ت مؤمن مسعد
2023-04-15 00:00:00

في مواجهة الرصيف السياحي لميناء قناة السويس والمخصص لركاب السفن السياحية بالمدخل الشمالي للقناة، تطل أرض "متحف بورسعيد القومي"؛ قبل شهرين، كانت مجرد أرض خالية إلا من بعض آثار الهدم الذي لحق بالمتحف نفسه في 2010 تحت حجة "التطوير"، بينما نُقلت مشتملاته التي تصل إلى 9 آلاف قطع أثرية إلى مخازن وزارة الآثار.

على مدار سنوات، ظلت الوعود الحكومية تخاطب سكان بورسعيد وغيرهم ممن يهتمون بتراث الثقافي والأثري للمتحف بأن إعادة البناء قادم لا محالة، وأنها مجرد خطة مؤجلة تنتظر التنفيذ. تبخر هذا كله في فبراير الماضي، حينما فوجئ سكان بورسعيد بمشهد مختلف تمامًا؛ لافتات تحيط بالأرض تعلن عن مشروع سكني سياحي "فاخر" يحمل اسم "مكسيم قنال"، مذيلة بشعاري هيئة قناة السويس وإدارة محافظة بورسعيد.

انقلبت الدنيا ولم تقعد داخل المحافظة منذ تلك اللحظة، بين مؤتمرات يعلن فيها الحضور اعتراضهم، حملات لجمع توقيعات ضد هذا المشروع، احتجاجات تقدم بها نواب المحافظة لمجلس الشعب، وأخيرًا دعوى أمام القضاء الإداري بمجلس الدولة، لوقف قرار تخصيص أرض المتحف لشركة تطوير عقاري وعودتها إلى وزارة السياحة والآثار.

على مدار حلقتين، تجمع لك "البورسعيدية" تلابيب القصة الكاملة لمتحف بورسعيد القومي بداية من انشاؤه وحتى هدمه، ومن هي هذه الشركة التي يظهر اسمها على اللافتات الإعلانية؟ ولماذا يتمسك السكان هنا بعدم التفريط فيه؟

تقع أرض متحف بورسعيد في شارع "فلسطين" السلطان حسين سابقًا أمام ممشى ديليسبس الشهير، وهو من أقدم المتاحف القومية، وكان يضم قطع فنية لا تتوفر في متحف مصري آخر فضلًا عن قاعة مؤتمرات ومسرح وقاعة لكبار الزوار وسبع قاعات عرض ومكتبة لم تتوقف لحظة عن تنظيم ورش العمل التعليمية والحرفية ودعم التربية المتحفية، حيث كان يحتل المركز الرابع بين متاحف مصر من حيث الإيرادات الشهرية والسنوية.

بناء المتحف تم بناءً على بعد ثقافي لمتحف بورسعيد القومي، تبناها وقتها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، في قراره رقم 125 لسنة 1963 بشأن تعديل حدود مرفق قناة السويس، وضم منطقة أرض المتحف ببورسعيد المطلة على مدخل المجرى الملاحي لقناة السويس إلى أملاك محافظة بورسعيد، وأعقب ذلك صدور قرار المجلس الشعبي المحلي للمحافظة بتخصيص الأرض لوزارة الآثار لغرض محدد، هو إقامة متحف قومي يضم الآثار التي يُعثَر عليها في أنحاء المحافظة.

كانت بداية العمل في بناء المتحف القومي على مساحة 13 ألف متر مربع، لكن توقف العمل لمدة 13 عامًا مع العدوان الثلاثي 1965، وخلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء الملاصقة لبورسعيد في العام 1967، قبيل افتتاحه إضافت إليه مساحة 2.5567 متر، من أرض مملوكة لهيئة قناة السويس تم تأجيرها بقرار من مجلس الوزراء رقم 1503 بأجر رسمي 67 جنيهًا سنويًا، لاستخدامها في الخدمات الملحقة بالمتحف، وافتتح رسميًا في العيد القومي لبورسعيد في 23 ديسمبر 1986، وأخيرًا مساحة 2.1190 متر، اشترتها هيئة الآثار المصرية في عام 1992 من القاعدة البحرية التي كانت تقع آنذاك خلف المتحف.

في 2009، خصص قطاع المشروعات بوزارة الثقافة مبلغ 75 مليون جنيهًا، للبدء فى تطوير وإعادة تصميم المتحف، حيث يشمل التطوير تغيير واجهة المتحف لتتخذ شكل سفينة، وفي ذلك التوقيت قال مصطفى عبد اللطيف، محافظ بورسعيد أن تطوير المتحف المواجه لقناة السويس وميناء الركاب يأتي ضمن خطة شاملة لإنشاء مشروع صوت وضوء مراحل حفر القناة وتطوير قاعدة ديليسبس، لخلق منطقة مزارات سياحية تستفيد منها بورسعيد، وبالفعل هُدم متحف بورسعيد في 2010 بنية إعادة بنائه وفق التصميم المقترح، وعقب ثورة 2011 توقف المشروع وتحول المكان إلى أرض خَاوِيَة.

لا أحد يعلم حتى الآن ما مصير المبالغ المحددة سلفًا والتي كان قد تم تخصيصها للمتحف، كما لا يوجد إجابة واضحة عن لماذا لم يتم إعادة البناء حتى الآن، بينما كانت هناك توجيهات رئاسية سابقة في عام 2017 أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى محافظة بورسعيد، حينما وجّه بإعادة بناء متحف بورسعيد القومي دعمًا للسياحة، ولكن لم يلتفت لها أحد.

في المذكرة قدمها أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بمحافظة بورسعيد إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أثاروا فيها التساؤلات حول حصول شركة التطوير العقاري المرفق اسمها على اللافتات الإعلانية على أمر بالاسناد المباشر لاستغلال القبة التاريخية لهيئة قناة السويس ببورسعيد وأرض متحف بورسعيد القومي وأرض خلف نادي الصيد المطلة على شاطئ بورسعيد مباشرةً "بدون أي إجراء معلن"، مطالبين أن يتم توضيح تفاصيل ذلك لإرساء مبدأ الشفافية.

تحمل اللافتات الإعلانية إسم شركة "مكسيم"، وهي شركة خاصة لإدارة الفنادق والمنشآت السياحية، تأسست عام 1980، تعمل في التطوير والإدارة والاستثمار في كافة قطاعات السوق العقاري، بالإضافة إلى ذلك تنفيذ الوحدات السكنية والفندقية والتجارية.

وكان قد أعلن محمد كرار، رئيس مجلس إدارتها، خلال مؤتمر صحفى في يونيو 2021، إن حجم أعمالها تجاوز 15 مليار جنيهًا، فيما بلغت محفظة أراضيها 7 ملايين متر مربع في مناطق متنوعة وفي مجالات مختلفة ما بين مشروعات سكنية وفندقية وإدارية وتجارية، وأنها تعمل حاليًا على تنمية وتطوير جزء من محفظة أراضي الشركة بما يزيد على 5 مليار جنيهًا في قطاعي السكني والفندقي.

وفي فبراير 2023، أيضًا من خلال مؤتمر صحفي أعلن محمد سمير، الرئيس التنفيذي لشركة "مكسيم"، عن فوز الشركة للضيافة التابعة للمجموعة بعقود إدارة 4 منشآت سياحية بنظام حق الانتفاع، وتضمنت عقود إدارة متحفي الحضارة بالقاهرة وشرم الشيخ وبحيرة عين الصيرة وفندق ديليسبس.

ومن خلال صفحات التواصل الإجتماعي بدأت "مكسيم" في التسويق لمشروعها المزمع إقامته على أرض المتحف عن طريق عرض الخدمات المقدمة مع مشروع الشقق الفندقية مثل توفير حمام سباحة وكافية وبار ومنطقة تجارية تضم محلات بيع بالتجزئة وصالة ألعاب رياضية وجراج للسيارات.

تراوحت سعر أصغر مساحة شقة فندقية بالمشروع 180 متر، من 10 مليون جنيهًا إن كانت الواجهة خلفية، وصولًا لـ 20 مليون جنيهًا بواجهة ترى القنال، بسعر حوالي 65 ألف جنيهًا للواجهة الخلفية، علمًا بأن الشقق ليس لها حصة عقارية، على أن يتم التسليم بعد 4 سنوات، بنظام تقسيط يصل إلى 7 سنوات.

الغريب فيما نشرته الشركة سواء على منصاتها الخاصة أو وضع لافتاتها على أرض المتحف هو عدم صدور أي قرار رسمي حتى الآن بهذا التخصيص، وهو الأمر الذي اعتمد عليه "علي أيوب" المحامي في دعواه أمام القضاء الإداري بمجلس الدولة للمطالبة بوقف قرار تخصيص أرض المتحف لشركة مكسيم، فصدور القرار رسميًا يعني منع الاعتراض عليه وفقًا للتعديل القانوني الذي حدث في عهد عدلي منصور حينما أقر بأنه ليس من حق أي مواطن الطعن على القرارات الرسمية الحكومية في القانون رقم 32 لسنة 2014.

تطالب الدعوى بعودة أرض المتحف إلى وزارة السياحة والآثار، وتشكيل لجنة متكاملة من الوزارتين تضم أثريين من أمناء المتاحف وأخصائيين ترميم وقانونيين، لتحديد مصير 9 آلاف قطعة كانت بالمتحف للوقوف على مواقع حفظها حاليًا من خلال دفاتر التسجيل وحالتها الفنية وتقديم تقرير بذلك.

وقد اختصمت الدعوى -التي حددت لها المحكمة جلسة يوم 19 ابريل المقبل - كلًا من وزير الأثار والسياحة ووزير الثقافة ومحافظ بورسعيد بصفتهم، وقالت في صحيفتها: "هناك إحتمالية فقدان بعض القطع الأثر بالمتحف أو تهريبها للخارج كما أن هناك إحتمال لتأثرها فنيًا نتيجة سوء الحفظ، مطالبة بإعادة إنشاء المتحف على أرضه باعتباره جزءً لا يتجزأ من الهوية المصرية الذي يتضمن التعريف بالحضارة المصرية عبر العصور كما يمثل جزءً من ذاكرتها الوطنية في الدفاع عن المدينة الباسلة".

 

القصة الكاملة لأرض "متحف بورسعيد القومي"