وضع لافتات المشروع السكني المزمع إنشاؤه على أرض متحف بورسعيد لم يمر مرور الكرام، فمنذ صباح اليوم الأول لاكتشافها وهناك تحركات من أبناء بورسعيد لمحاولة إيقاف المشروع وإنهاء ما أسموه في تفاعلاتهم ضده بـ"الكابوس".
ففي الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي عقدت نقابة المحاميين مؤتمرًا باسم "القوى المدنية في بورسعيد"، حضره العديد من القيادات الثقافية والفكرية والقيادات الحزبية والمستقلة، ربطوا فيه المتحف القومي بـ"الهوية الوطنية" لبورسعيد، مطالبين بوضع مخطط عام وشامل بمشاركة وزارات السياحة والثقافة ومحافظة بورسعيد والمجتمع المدني يوضح أهمية منطقة التقاء قناة السويس والبحر المتوسط كمنطقة سياحية وتجارية تربط القارات وفي قلبها أرض المتحف، بالإضافة إلى وضع الدراسات القانونية والفنية والأضرار البيئية والمخاطر الأمنية على حركة مرور الملاحة العالمية والثقافية المؤثرة على الطابع العالمي لبورسعيد.
وما أن انتهى المؤتمر حتى عقد نقيب المحاميين بالمحافظة، صفوت عبد الحميد، اجتماعًا بدأ فيه الإعداد لحملة جمع توقيعات مناهضة ضد المشروع المزمع إنشاؤه لإرسالها إلى رئيس الجمهورية للبت في القضية.
في هذه الحلقة؛ نحاول رصد ردود الأفعال التي أثارها ما حدث على أرض متحف بورسعيد ونتتبع لماذا يرفض أهالي بورسعيد والمهتمين بالثقافة والمجتمع المدني مشروع التطوير المطروح حاليًا وفقًا للافتات الإعلانية المنتشرة على أرض المتحف، واعتباره تخلي عن "الهُوية".
في محاولة لفهم دور وزارة الآثار بشأن أرض المتحف القومي؛ تواصل البورسعيدية مع الدكتورة منى صبح، مدير عام بوزارة الآثار ببورسعيد، التي ترى أن المتحف القومي يعتبر ملتقى القوافل السياحية القادمة على متن السفن السياحية من كافة أنحاء العالم، فهو متحف يعتبر الأول من نوعه في تاريخ مصر، حيث يضم أكثر من 9 آلاف قطعة أثرية يعود عمرها إلى العصر الفرعوني واليوناني والروماني، مرورًا بالآثار القبطية والإسلامية، فضلًا عن مقتنيات تعود للعصر الحديث.
تقول منى، "كان المتحف في المرتبة الأولى بالنسبة لإيرادات المتاحف القومية في مصر، وواجهته فقط مشكلة التمويل، وكان من المقرر أن يتم تطويره في عام 2010 وبالفعل وُضعت ميزانية لذلك، ولكن بعد ثورة يناير نشب حريقًا في المتحف الإسلامي المصري بالقاهرة، فقررت الوزارة أن تخصص الميزانية لتطويره أولًا قبل متحف بورسعيد".
تاه ملف تطوير المتحف بين الوزراء، فيما تحجج وزراء الآثار السابقين بعدم توافر الميزانية، وأعلن الدكتور خالد العناني، وزير الآثار السابق، في عام 2021 عن عزم الحكومة إقامة مشروع فندقي عالمي ملحق به المتحف القومي بمواصفات ومعايير عالمية، وكان العائق الوحيد أمامه هو التمويل أيضًا.
تخلت الوزارة حاليًا عن الفكرة، تربط منى بين عدم تخصص الوزير الحالي في مجال الآثار، تقول: "قبل أن يشغل وزير الآثار المنصب، كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لقطاع التجزئة المصرفية في البنك التجاري الدولي، لذا قد لا يكون مدركًا للأهمية التاريخية لهذا المتحف".
واستكملت: "في عام 2019 عندما آتى إلى أرض المتحف أحد رجال الأمن ومعه أفراد من هيئة قناة السويس يطالبون بوضع أيديهم على الأرض، وقتها قامت صباح مسلم، بصفتها مكلفة من وزارة الآثار بمسئولية أرض المتحف، بطردهم ومنعهم من دخول الأرض، بالرغم من أن إدارة المتحف تخضع لوزارة الآثار فقط إلا أن ملكية الأرض مقسمة لأجزاء فيما بين هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد ووزارة السياحة والآثار".
وتضيف: "هذه القضية تصنف فضيحة عالمية لأن السائح الذي يأتي إلى بورسعيد يكون مطلع على خريطة متاحف العالم التي تؤكد مكان المتحف، وحتى هذه اللحظة يتواصل معي أصدقائي من جنسيات مختلفة ليطلبوا زيارة المتحف القومي لبورسعيد، ولكن في كل مرة أخبرهم بهدم المتحف أخترع عذرًا جديدًا لتأخير إعادة بنائه حتى نفذت الأعذار".
تحدثت "البورسعيدية" مع أيمن جبر، مؤسس جمعية بورسعيد التاريخية، الذي علق قائلًا: "المتاحف ليست مجرد أماكن تُعرض وتُحفظ فيها القطع والأعمال الفنية والأثرية، ولكن هي مراكز التنوير والثقافة والمعرفة ولها دورًا رائدًا في تدعيم الاقتصاد الإبداعي على الصعيدين المحلي والعالمي".
وأضاف: "بعد التفاعل المتزايد واستياء أهالي بورسعيد المهتمين بالثقافة والتراث والآثار وتاريخ المدينة وهويتها من كافة أنحاء الجمهورية، وتعبيرهم عن ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عقب الإعلان عن إقامة مشروع سكني على أرض المتحف القومي، قررنا أن الجمعية سوف تدافع من أجل تحقيق التواصل بين المجتمع المدني والأجهزة التنفيذية والجهات الحكومية والوزارات وهيئة قناة السويس بالتنسيق مع ممثلي بورسعيد من مجلسيّ النواب والشيوخ".
تساءل أيمن عن دور وزيرة الثقافة في إبداء رأيها الثقافي حول الأزمة على الأقل، متهمًا وزارة السياحة والآثار بأنها الشريك السلبي في تلك الأزمة من وجهة نظره، قائلًا: "الثقافة هي عملية بناء العقول وتنميتها وليس السكوت على بناء المشروعات السكنية الذي يعد محاولة بائسة لتصدير شعور فرض الأمر الواقع وإحباط عزائم شعب بورسعيد، فنحن متمسكون بإعادة بناء المتحف بموقعه واستثمار المنطقة سياحيًا، حيث أن شعب بورسعيد على يقين بتدخل القيادة السياسية لتصويب المسار وإنقاذ مستقبل المدينة".
نشرت مونيكا حنا، عميد كلية الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بأسوان، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منشورًا عن أهمية أرض متحف بورسعيد القومي قالت فيه: "ليه المتحف مهم لينا زي المحور والكوبري، ببساطة شديدة المتحف مش زي الكوبري، ولكن المتحف بيساعد في تدفق الأفكار وتبادلها، يعد المتحف بنية تحتية مجتمعية هامة مثل الطرق والكباري".
وتشرح لـ"البورسعيدية": "في قراءة للدراسات الأنثروبولوجية للبنية التحتية قال بريان لاركين، البنية التحتية هي شبكات مبنية تسهل تدفق السلع أو الأشخاص أو الأفكار وتسمح بتبادلها، وأن البنية التحتية تشكل من خلال شبكة يقوم القائمين عليها بضبط سرعتها واتجاه حركتها ووقتها ومدى صلابتها وتأثيرها على الحركة والبيئة المحيطة، وعلى الرغم من أن ما يتبادر للذهن بأن البنية التحتية هي أبنية فقط من الأسمنت ولكن البنية التحتية الحقيقية هي الشبكة التي تنقل الأفراد ومن ثَم الأفكار والتجارب، الناس بتشوف إنها من الجوانب الأساسية للحياة زي الماء والطاقة والآن في القرن الواحد والعشرين مثل الإنترنت".
وتضيف مونيكا: "فكرة إنشاء أول متحف هي فكرة مصرية بالأساس، وأول متحف سجّله التاريخ كان في مكتبة الإسكندرية القديمة، وبعد ذلك تطورت المتاحف منذ القرن التاسع عشر في أوروبا حتى أصبحت من علامات التقدم للبلاد والسلطة والعالمية والعمران الحميد والتاريخ والتقاليد والحداثة".
وتكمل: "منذ عام 1952 كانت هناك إرادة سياسية وشعبية لإنشاء المتاحف الإقليمية في مصر كرد فعل على المتاحف التي قام الاستعمار ببنائها بمصر لكي تكون متاحف الشعب، ولكن اليوم تتآكل مساحات هذه المتاحف بسبب غياب سياسات عامة لإدارة هذا التراث المهم، وهناك ممارسة عملية أكثر عمقًا للمتحف، فإن وجود متحف في مدينة ما يشير إلى قيم زي الذاكرة المجتمعية التي تتجاوز فهرسة التاريخ من خلال بعض القطع الأثرية التي توحي بمؤشر ثقافي عن المدينة".
ويبدو الوضع على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر اشتعالًا، فبينما يتحرك القائمون على ملف مناهضة في أكثر من اتجاه على المستوى القانوني واستمرار جمع التوقيعات الرافضة للمشروع السكني، تستمر التفاعلات الغاضبة من أهالي المحافظة أنفسهم ضد المشروع ومطالبة بإعادة بناء المتحف.
من ناحية أخرى؛ تواصل "البورسعيدية"، مع إسلام عبد المجيد، المحامي بالنقض وعضو المجلس الشعبي المحلي لمحافظة بورسعيد سابقًا، وأحد مؤسسي الحملة الشعبية للدفاع عن أرض المتحف القومي، الذي علق قائلًا: "جمع التوقيعات طُرحت لأول مرة في اجتماع نقابة المحامين على لسان نقيب المحامين صفوت عبدالحميد، وهو أحد الموقعين على البيان التأسيسي للحملة، لكن حتى الآن لم نختار منسق للحملة، بل مجموعة من المؤسسين يمثلوها بشكل جماعي".
يوضح إسلام أن التوقيعات مستمرة والخطوة القادمة هي التدخل في قضية إلغاء سحب أرض المتحف المنظورة أمام محكمة القضاء الإداري ببورسعيد، والمحدد لها جلسة 19 أبريل".
ويضيف: "بشكل عام الحملة لا تضع نفسها في تعارض مع أي جهود أخرى، وذلك لاستعادة أرض المتحف، بالعكس تسعي للتكامل معها، حتى تحقيق الهدف النهائي وهو إعادة بناء المتحف على أرض المتحف.
وينص بيان الحملة على أنها "تدافع عن أرض المتحف وحق أبناء المدينة في المُشاركة المجتمعية، والمُساهمة في القرارات المعنيّة بمدينتهم، خاصة فيما يتعلّق بهويتها وتاريخها وملامحها الحضارية".
وينبه البيان إلى ما أسمّاه "البُعد الأمني" في تحويل هذه الأرض لغرض آخر، نتيجة موقعها الفريد على مدخل المجرى الملاحي، فضلًا عن رفض تقديم مصلحة مشروع سكني لا يعود بالنفع إلا على ساكنيه، بدلًا من استكمال مشروع يُحافظ على الهوية والذاكرة البصرية لمصر.
من ناحية أخرى، تواصل "البورسعيدية"، مع إسلام عبد المجيد، المحامي بالنقض وعضو المجلس الشعبي المحلي لمحافظة بورسعيد سابقًا، وأحد مؤسسي الحملة الشعبية للدفاع عن أرض المتحف القومي، الذي علق قائلًا: "جمع التوقيعات طُرحت لأول مرة في اجتماع نقابة المحامين على لسان نقيب المحامين صفوت عبدالحميد، وهو أحد الموقعين على البيان التأسيسي للحملة، لكن حتى الآن لم نختار منسق للحملة، بل مجموعة من المؤسسين يمثلوها بشكل جماعي".
يوضح إسلام أن التوقيعات مستمرة والخطوة القادمة هي التدخل في قضية إلغاء سحب أرض المتحف المنظورة أمام محكمة القضاء الإداري ببورسعيد، والمحدد لها جلسة 19 أبريل".
ويضيف: "بشكل عام الحملة لا تضع نفسها في تعارض مع أي جهود أخرى، وذلك لاستعادة أرض المتحف، بالعكس تسعي للتكامل معها، حتى تحقيق الهدف النهائي وهو إعادة بناء المتحف على أرض المتحف.
ينص بيان الحملة على أنها "تدافع عن أرض المتحف وحق أبناء المدينة في المُشاركة المجتمعية، والمُساهمة في القرارات المعنيّة بمدينتهم، خاصة فيما يتعلّق بهويتها وتاريخها وملامحها الحضارية. كذلك تُنبّه للُبعد الأمني في تحويل هذه الأرض لغرض آخر، نتيجة موقعها الفريد على مدخل المجرى الملاحي، فضلًا عن رفض تقديم مصلحة مشروع سكني لا يعود بالنفع إلا على ساكنيه، بدلًا من استكمال مشروع يُحافظ على الهوية والذاكرة البصرية لمصر".