افتتاح متحف قناة السويس الرسمي يعيد الجدل ثانية حول "تمثال ديليسبس"

تمثال ديلسبس في مكانه القديم عند المدخل الشمالي لقناة السويس

كتب/ت رؤية حسن
2024-09-18 17:35:34

ربما تبدو القصة طويلة بعض الشيء، في 7 ديسمبر 1894 اكتشفت شركة قناة السويس وجود اعتمادات مالية، لذا اتفقت على إقامة تمثال يُخلّد ذكرى فرديناد ديليسبس، مهندس مشروع حفر قناة السويس، تكلّفت ميزانيته مليوني فرنك، وفي 17 نوفمبر 1899 طلّ تمثاله عند المدخل الشمالي لقناة السويس، مرّ التمثال بلحظات هامة من تاريخه، وحتى وقتنا هذا من العقد الثاني بالقرن الواحد والعشرين لا يزال يثير التمثال الجدل.

ومنذ افتتاح متحف قناة السويس، الذي يضم ضمن مقتنياته تمثال ديلسبس، بشكل تجريبي في مارس الماضي، وبعدها انطلاق الموقع الرسمي للمتحف في 26 يوليو الماضي بالتزامن مع احتفال الهيئة بإحياء الذكرى الـ68 لتأميم قناة السويس، تجدد الجدل بين أهالي بورسعيد حول عودة التمثال للمحافظة أم بقائه بالمتحف.

تمثال ديلسبس لم يكن تمثالًا عاديًا، فلا يبدو للرائي أنه مُجرد تحفة فنية صممها الفنان الفرنسي إمانويل فرميم في القرن التاسع عشر، بل إنه يحمل رمزية عالية، نظرًا لأن ديلسبس هو صاحب فكرة إنشاء قناة السويس التي أدارها بعد الافتتاح عام 1869، ولعب دورًا في دفع مصر إلى بيع نصيبها من الأسهم في شركة قناة السويس، وفرض رقابة مالية فرنسية وإنجليزية على الخزانة المصرية، وهو ما مهّد للاحتلال الإنجليزي عام 1882.

ومنذ تواجد التمثال على أرض بورسعيد زُرعت مشاعر الحقد تجاهه، فرّغها أهالي بورسعيد حين حانت اللحظة عام 1956، وقت العدوان الثلاثي على مصر، وحاول الفدائيون من أبناء بورسعيد تفجير التمثال بالديناميت، وهو ما يُشير إليه محمد بيوض، عضو المجلس الأعلى للتراث والتنسيق الحضاري التابع لمحافظة بورسعيد.

في العام التالي للعدوان الثلاثي استقرّ تمثال ديلسبس في مخازن ترسانة بورسعيد البحرية، ولم يبْق عند ما عُرف باسم "الممشى السياحي" ببورسعيد سوى قاعدة التمثال العريقة التي كُتب عليها اسم "فرديناد ديلسبس"، شاهدًا على بسالة أهل بورسعيد ورمزًا للمقاومة وشاهدًا أيضًا على احتلال ظلّ يقبع على أنفاس المصريين طيلة 72 عامًا.

أما التمثال فقد استمر بقاؤه داخل مخازن ترسانة بورسعيد أكثر من 60 عامًا، حتى استقبله متحف قناة السويس الواقع بمحافظة الإسماعيلية، وفي قاعة تحمل الرقم المشؤوم 13، يقف تمثال ديلسبس الآن أمام الزوار، في منتصف المتحف تمامًا، بحسب ما يُشير كتالوج موقع متحف قناة السويس، لكن حتى الآن يستمر النقاش بين أهالي بورسعيد، ما بين مؤيد لبقائه بالمتحف، ومعارض، يرى أن مدينة بورسعيد أولى ببقائه داخلها. وقد أدرج التمثال في 2020 في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، بعد موافقة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بحسب التقارير الصحفية.

جزء من تراث بورسعيد

مها صابر، ربة منزل، تؤيد عودته إلى بورسعيد مرة أخرى، إذ ترى أنه جزء من تاريخ المدينة، مُضيفة "لا يجب التخلي عن التمثال، فهو جزء من تراثنا"، وتوافقها في الرأي أمنية جودة، التي تحب زيارة الأماكن التاريخية، وترى أن وجود التمثال هام "لأنه يُذكّرنا بجزء حيوي من تاريخ بلدنا".

أما محمد بيوض، فيعارض تمامًا عودة التمثال، إذ يرى أن من يطلب رجوعه مجموعة من الأهالي لم تقرأ التاريخ جيدًا، ويعتقد أنهم مدعومون من جمعية "أصدقاء ديلسبس"، وبحسب بيوض "هم من يُحرّكون الجدل حول عودة التمثال من وقت لآخر بُغية المصالح الأجنبية".

وبحسب تقارير صحفية، فإن الحديث حول عودة تمثال ديلسبس إلى قاعدته يتجدد منذ عهد الرئيس محمد حسني مبارك، وكانت بدايته مع عرض جمعية أصدقاء ديلسبس بدولة فرنسا دفع 50 مليون يورو سنويًا، مقابل إعادة التمثال، وإقامة حفل سنوي يحضره آلاف السياح.

وأعلن العرض المالي المهندس عصام الزهيري، رئيس لجنة السياحة والإعلام بالمجلس الشعبي المحلي بالمحافظة أمام لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشعب عام 2009. قوبل العرض حينها برفض شعبي، رغم وجود اتجاه للموافقة عليه داخل الحزب الحاكم وقتها، وهو الحزب الوطني.

ومع تعاقب محافظي بورسعيد كان يُفتح ذلك الملف مُجددًا، منها إعلان اللواء سماح قنديل، محافظ بورسعيد السابق، في فبراير عام 2014، إجراء معاينة لموقع قاعدة التمثال، لوضع تمثالين بجانب تمثال ديلسبس، مُشيرًا إلى إعادة التمثال لمكانه في نهاية الممر السياحي باتجاه مدخل قناة السويس، وفي المنتصف تمثال العامل المصري الذي حفر القناة، بالإضافة إلى تمثال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي أمم القناة.

وأكد بيوض على أن الحديث الدائر لم يصل لطرحه سميًا داخل المجلس الأعلى للتراث، مُضيفًا أنه حتى الآن لم يُعلن رسميًا موعد فتح المتحف الذي سيحضره الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تمثال العامل المصري 

ومن بين أهالي بورسعيد الذي يعارضون عودة التمثال أيضًا، رشا إبراهيم، التي ترى أن اقتراح المحافظ السابق بوجود تمثال للعامل المصري الذي عمل بالسخرة ومات في عملية حفر القناة عند المدخل الشمالي جيد، وبالطبع بقائه، لكن دون بقاء تمثال ديلسبس جواره "أنا شايفة إنه العامل اللي حفر القناة هو اللي أولى يبقى جزء من تراث بورسعيد".

يتفق محسن عشري، البورسعيدي ذو الـ64 عامًا وعضو فرقة الطنبورة التي تحافظ على فن السمسية، مع رأي رشا، بإقامة تمثال للعامل المصري، وقد عايش عشري فترة النكسة واضطر لمغادرة مدينته وقتها، وعاد إليها مرة أخرى ليعمل بمديرية الإسكان، ويقول: "أنا مع فكرة وضع التمثال في المتحف لتعريف الناس بالتاريخ والسياحة، وهو التمثال بالفعل بيمثّل الاحتلال".