كيف ستكون حياتي بدون قعدة القهوة، أؤمن بأنها أحد أسباب حبي للحياة بشكل أو بأخر، فهذه الساعات لن أمِلّها حتى الشيبة، فتعودنا في المدينة التي ولدت بها أن الجلوس في المقهى هو فعل ذكوري يقتصر على الرجال فقط بجميع أعمارهم، وإذا فعلته امرأة توصم بين أهلها ومعارفها.
في إحدى صباحات شهر مارس الماضي، كنت أجلس في مقهى قريبًا من منزلي بلا هدف واضح ولا أنتظر أحد، فقط اتصفح عبر هاتفي وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أن جاء لي عم علي القهوجي، وطرح عليّ سؤالًا جادًا على غير عادته: "هو في مناسبة اسمها يوم الرجل العالمي؟"، صمت للحظات حتى دخل في النقاش أحد الجالسين ليرد قائلًا: "يا علي احنا بنحتفل كل يوم بيوم الرجل، لكن هما غلابة عندهم يوم واحد في السنة كلها"، تعالت ضحكات الجميع على هذه الجملة وكان حديث كل طاولة بالمقهى عن يوم المرأة العالمي.
سَرحت قليلًا، حتى انتبهت لفعلي عندما منعت نفسي من نشر تويتة ساخرة أيضًا عن هذه المناسبة، يبدو التحول إلى الاهتمام بيوم المرأة يرافقه الكثير من نكات يطلقها الرجال بداية من وسائل التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى المضايقات التي تتعرض لها السيدات في الشارع أيضًا على سبيل الدعابة.
"اتعلموا من ياسمين عز"، جملة انتشرت مؤخرًا بين الرجال بعد ظهور الإعلامية التي تدعو لتقديس الرجل، وتنصح النساء بأن يعشن حياتهن في خدمة الرجال، وكأنها تريد إيهام المراهقات والسيدات صغيرات السن بذلك المفاهيم، أو أنها تريد توجيه جيلًا جديدًا من الرجال نحو العنف ضد المرأة.
على غرار بعض الأجيال السابقة من الرجال، وتوارث العديد من المفاهيم المغلوطة التي تُمارس يوميًا تحت ستار التدين مثل رؤية شخص يخجل من نطق اسم زوجته أو والدته في الشارع بالرغم من أننا جميعًا نعلم أسماء زوجات الرسول ونرددها، أو سماع شخصًا يردد أن "صوت المرأة عورة"، تلك المقولة التي ليس لها صاحب ولا هي بحديث أو آية قرآنية كما يعتقد البعض، وغيرها من مفاهيم خاطئة يتوارثها من هم أمثال ياسمين عز في مجتمعنا.
هناك الكثير منا يبحث عن حياة بعيدة عن تلك التي أرادها الجهل له، لا تحظى الحروب اليومية التي تعيشها السيدات بدعم واسع من المجتمع، وهناك العديد من الأشياء التي نأمل أن تعاديها النسوية حتى نتخلص منها؛ ألّا نرى رب الأسرة الذي يفضل تعليم الأبناء الذكور عن الإناث، والآخر الذي يجبر ابنته على الزواج دون موافقتها، ألّا نرى الخوف في عيون الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش بشكل يومي في محيط منازلهم، وأخيرًا ألّا تُقتل نيرة أشرف وغيرها عندما ترفض حب رجل.