في نوفمبر العام 2021، كانت المرة الأخيرة التي شهدت فيها إيمان مصطفى، تقطن بمحافظة أسوان، معرضًا للكتاب في مدينتها، رغم شغفها الكبير بالقراءة، إلا أن قلة تنظيم معارض الكتب في أسوان يشكل عائقًا مستمرًا أمام إشباع هذا الشغف: "لا توجد مكتبات عامة لدينا، لذلك نتجه إلى معارض الكتب، ولكنها لم تُنظم هنا منذ سنوات".
تتجه أنظار إيمان وغيرها نحو معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، إلا أن بُعد المسافة بين أسوان والقاهرة يقف حائلًا أمامهم في زيارته، فأصبحت تعاني الأمرين لا معارض للكتب في أسوان، وحلم زيارة المعرض الوحيد المتاح في القاهرة أمرًا صعبًا.
أسباب قلة المعارض
كان المعرض الأخير الذي شاركت فيه إيمان، من تنظيم جامعة أسوان تحت رعاية وزارة الثقافة في الفترة من 3 إلى 12 نوفمبر 2021. تجربة وصفَتها الجامعة بأنها محاولة نحو الإثراء اللغوي والثقافي لدى أبناء الجامعة، مؤكدة على أهمية تنظيم مثل هذه المعارض بشكل مستمر.
إلا أن هذا المعرض كان الأخير، ليتوقف بعدها تنظيم المعارض في المدينة بشكل عام، مما جعل من الصعب على المهتمين بالقراءة والثقافة في أسوان الحصول على فرص مماثلة تواكب شغفهم بالمعرفة، ويظل هذا التوقف عقبة كبيرة أمام تطوير الحياة الثقافية في المحافظة.
"عين الأسواني" بحثت خلف أسباب توقف إقامة المعارض في أسوان، إذ يعزي الكاتب ياسر سليمان، روائي وقاص من أبناء النوبة، قلة المعارض إلى ضعف جهود المحافظة في المجال الثقافي بشكل عام، قائلًا: "رغم أن النشء يحتاج إلى تشجيعه للقراءة وتعزيز ثقافة الكتاب لديهم، إلا أن قلة المعارض تقف حائل أمام تلك الأهداف، لا سيما أن المعارض التي تُنظم تكون على هامش فعاليات ثقافية وليست مستقلة".
جانب آخر للأزمة يشرحه سليمان لـ"عين الأسواني"، وهو عدم اقتناع دور النشر بفكرة إقامة معرض للكتاب في أسوان، رغم اعتقاده أن الجمهور في أسوان سيستقبل المعرض بحماس إذا قررت دور النشر المشاركة.
ويضيف: "إقامة معارض حقيقية وفعّالة في أسوان تتطلب إقناع دور النشر بالحضور وعرض أعمالها، خاصة وأن أسوان تضم العديد من الكتاب المتميزين، لكن هذا الأمر يتطلب تعاونًا من عدة جهات مثل المحافظة، الهيئة العامة للكتاب، والجامعة".
يعتبر سليمان تعاون كل هذه الأطراف في أسوان للاهتمام بمعارض الكتب تحديًا، نظرًا لاختلاف الرؤى بينهم: "الجامعة بعيدة نوعًا ما عن الحراك الثقافي في أسوان، واستجابتها لتنظيم المعارض ضعيفة، مما يجعل تنظيم المعارض يعتمد أساسًا على الجهود الفردية والتجارب الشخصية".
تجارب فردية
لم ينتظر علي محمود، صاحب صفحة لبيع الكتب أونلاين، تعاون كل تلك الجهات لإقامة معرض للكتب في أسوان، ولكن كان له تجارب فردية خلال عامي 2021 و2022، إذ نظم معارض صغيرة للكتب في كليتي التربية والهندسة بجامعة أسوان.
ورغم وصفه للتجربة بالمقبولة، إلا أنه واجه تحديات عدة بسبب أن جهده فردي: "الأمر كان معقدًا بسبب الشروط والروتين، ورغم المساعدة التي حصلت عليها، إلا إنني نظمت المعرض بجهود فردية لذلك لم أحصل على مكسب من الأمر، وهو ما جعلني لا أفكر فيه مرة ثانية رغم حب أهالي أسوان للقراءة".
تحلم إيمان، وهي إحدى أهالي أسوان، بأن يكون هناك معارض للكتاب في مدينتها، حتى يتسنى لها القراءة في مجالات مختلفة: "أنظر دومًا تجاه محافظات الوجه البحري فأجد معارض للكتاب واسعة وشاملة للمجالات كافة، بينما الوجه القبلي يفتقر لذلك".
هي ذات المقارنة، التي يعقدها الكاتب عباس حمزة، الرئيس السابق لنادي الأدب في أسوان، إذ يوضح أن دور النشر في الوجه القبلي ليست بنفس الكفاءة المهنية التي تتمتع بها دور النشر في الوجه البحري؛ بسبب ضعف الإمكانيات المادية لذلك يكون لإصدارات دور النشر بالوجه البحري مكانًا واسعًا داخل معرض الكتاب.
يوضح لـ"عين الأسواني": "إصدارات دور النشر في أسوان تقتصر على المشاركة في المعارض الصغيرة التي تقيمها الجامعة، ولكنها توقفت منذ ثلاثة سنوات، بسبب ضعف الإمكانيات المادية، وعدم اهتمام المحافظة بالشأن الثقافي في أسوان".
ضعف التنظيم
بينما يُرجع الكاتب ياسر سليمان توقف الجامعة عن تنظيم المعارض إلى عدة عوامل أخرى: "على الرغم من وجود أقسام مثل اللغة العربية والنقد الأدبي في الجامعة، فإنه كان من المفترض أن يكون لهم دور في مناقشة الكتب والاهتمام بها، لكن هذا لا يحدث بشكل فعّال؛ لأن العديد من المدرسين في هذه الأقسام يُعتبرون مجرد موظفين أكثر من أن يكونوا مهتمين بالحركة الثقافية".
يستعرض الكاتب عباس حمزة تجربة فردية أخرى لتوفير الكتب في أسوان، وهي مشروع نشر الكتب الإقليمي التابع لوزارة الثقافة، الذي تضمن عددًا معقولًا من الإصدارات، إلا أن العوائق المادية كانت كثيرة، منها أن بعض الكتاب كانوا يضطرون لطباعة الإصدارات على نفقتهم الشخصية.
ويوضح حمزة: "كان يُشترط طباعة الكتب ضمن مشروع النشر الإقليمي في نفس المحافظة، ولكن بما أن هناك عددًا قليلًا من المطابع في المحافظات المختلفة، كانت الكتب تطبع في مطابع بالوجه البحري، مما أدى إلى تقليل جودة الطباعة، لكن لاحقًا، تغيرت لائحة النشر والطباعة وأصبحت تتم عن طريق المناقصات".
أزمة التوزيع
ورغم ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في مجال التوزيع، بحسب حمزة، إذ تُرسل الكتب إلى دور نشر للتوزيع، حيث تُعرض بشكل غير مناسب عند بائعي الجرائد، كما أن معظم دور النشر لا تعطي التوزيع الاهتمام الكافي، إذ أن أغلبية الكتب المعروضة في المعارض يتحمل تكلفتها الكاتب نفسه.
كما يتولى الكاتب مهمة توزيع كتابه على الأصدقاء والمعارف، وهي مهمة صعبة، يضيف حمزة: "أما خارج أسوان دور النشر تولي اهتمامًا أكبر بالإبداع والمبدعين وتقوم بعملية التسويق للكتب، مما يتيح للكاتب فرصة للاستمرار في إبداعه دون أن ينشغل بتأمين قوته اليومي من خلال عمل آخر".
هو نفس العائق الذي واجهه علي محمود حين أقام معارض كليتي التربية والهندسة في 2021، إذ يؤكد أنه سوّق بنفسه لتلك المعارض، وتفاجئ الطلاب بوجودها: "حاولت وقتها التواصل مع الجامعة إلا أنني واجهت صعوبة في التنظيم والتسويق بسبب عدم تعاون الجامعة وارتفاع التكاليف".
نفس الأمر تطرق له، الكاتب عباس حلمي، بأن ارتفاع التكاليف كان سببًا رئيسيًا في عدم إقامة معارض الكتب بأسوان، ورغم إقامة بعض المعارض السابقة، إلا أن ضعف التنظيم وعرض الكتب بشكل غير مناسب من قبل الموظفين ساهم في فشل التجربة، وبالتالي، لم يحقق المعرض الهدف المنشود بسبب غلاء الأسعار وقلة التفاعل.