قبل سنوات، بدأ شغف محمد جمال الشاب العشريني المقيم في مدينة أسوان، بالقراءة لا سيما في مجال التنمية البشرية، إذ يحاول دومًا متابعة الإصدارات الحديثة به، وفي محاولة للعثور على كتاب يتعلق بالتنمية البشرية، قرر زيارة بعض المكتبات في مدينته آملاً في إيجاد ما يبحث عنه.
بعد جولة طويلة بين مكتبات أسوان، عاد محمد خالد إلى منزله خالي اليدين كما كان متوقعًا، ومع ذلك، يواصل محمد خوض هذه الرحلات بين الحين والآخر للتأكد من أن المكتبات في أسوان لا تزال على حالها، تفتقر إلى وجود الكتب الحديثة والمتنوعة، ولا تحتوي على أي إصدارات جديدة في مجالات متخصصة مثل التنمية البشرية أو غيرها من المواضيع التي يهتم بها؛ نتيجة قلة إصدارات الكتب في المناطق الإقليمية.
جمال: "افتقد رائحة الورق"
هذا النقص في الكتب يجعل محمد يشعر بالإحباط، لكن شغفه بالقراءة يدفعه للاستمرار في البحث عن منافذ أخرى، مثل مواقع الإنترنت التي توفر الكتب الإلكترونية لكنها لا تعطيه نفس الشعور الفريد للكتاب الورقي: "ملمس الصفحات ورائحة الورق تجعلني في حالة ارتباط عميقة بالكتاب، لذلك نتمنى إقامة معارض للكتب في أسوان أو توفير الإصدارات".
تأتي أحلام محمد على هامش الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يُعقد في مركز مصر للمعارض الدولية داخل حي التجمع الخامس بمحافظة القاهرة، في الفترة من 24 يناير حتى 5 فبراير المقبل.
محمد وغيره من أبناء الأقاليم، يجدون في الكتب الإلكترونية وسيلة للوصول إلى المعرفة التي يصعب الحصول عليها في محافظاتهم؛ بسبب نقص إصدارات الكتب في المكتبات المحلية، وافتقارها إلى التنوع المطلوب، كما أن معرض الكتاب الذي يُقام سنويًا في القاهرة يعد أحد الفعاليات الثقافية الكبرى التي تجمع أحدث الإصدارات، لكنه يظل بعيدًا عنهم.
يوضح جمال لـ "عين الأسواني": "في البداية، لم أكن أفضل قراءة الكتب الإلكترونية، خاصة وأنني أقرأها على هاتفي، حيث تكون الصفحات أصغر بكثير من النسخة الأصلية، مما يؤثر على تجربة القراءة، لكن بعد عدة محاولات فاشلة في انتظار وصول الكتب المتخصصة إلى المكتبات المحلية في أسوان، لم يكن أمامي خيار سوى اللجوء إلى الكتب الإلكترونية ورغم أنني لا أعتبره بديلًا مثاليًا، إلا أنه الحل الوحيد لتلبية شغفي بالقراءة".
أسباب نقص الإصدارات
يعزي ياسر سليمان، مسؤول بمكتبة الطفل والشباب في مركز دراو، نقص المكتبات العامة والإصدارات الحديثة في أسوان إلى ضعف التسويق: "نبغي أن يحصل الكاتب على أجر مقابل نشر أعماله، بدلًا من أن يتحمل هو تكاليف النشر، لكنهم لا يملكون المال الكافي لإنتاج إصدارات حديثة وتسويقها".
يوضح لـ"عين الأسواني": "كما أن هناك أزمة عامة في الورق وارتفاع تكاليف الإنتاج، ورغم وجود عدد كبير من الكتّاب الذين ينشرون أعمالهم حاليًا في المدينة، وتطبع الهيئة العامة للكتاب بعض الكتب، لكن يظل النشر الخاص مُكلفًا من الناحية المالية بالنسبة للكتّاب".
تحتاج أسوان بحسب ياسر، إلى إعادة إحياء مشروع القراءة للجميع؛ لأنه المشروع الوحيد الذي كان له دور كبير في نشر الثقافة وإمداد المدينة بالإصدارات الحديثة: "نحتاج أن تقوم المؤسسات الثقافية بدورها في تطوير آليات دعم مستدامة للحفاظ على حركة النشر وتعزيز القراءة".
تتفاقم الأزمة لدى أبناء الصعيد إذ تتشارك بسمة طالبة بالمرحلة الثانوية مع جمال في نفس المعاناة، إذ لا تتوافر المكتبات المحلية في مدينة أسوان التي تقطن بها، ولا تضم أغلب الإصدارات، لذلك تلجأ إلى القراءة الإلكترونية والتي لا تشبع شغفها تجاه الورق.
تخدم 22 مكتبة عامة وخاصة تضم 12 ألف كتاب وكتيب، محافظة أسوان التي يقطن بها 1.7 مليون نسمة، وفق النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2021 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مما يظهر حجم الفجوة بين عدد الكتب مقارنة بعدد السكان، وتكعس قلة تنوع الإصدارات الحديثة في المكتبات المحلية، ما يجعل من الصعب على القراء في أسوان الوصول إلى أحدث الكتب في مختلف المجالات.
تقول بسمة: "الكتب الموجودة في المكتبات قليلة وقديمة، بينما الكتب الحديثة يصعب العثور عليها في أسوان وإذا توافرت تكون بأسعار خيالية، لذلك فإن فكرة الاشتراك في مكتبة شهريًا ليست خيارًا متاحة لي، فأنا طالبة ولا أستطيع توفير أموال لشراء الكتب العامة بجانب كتب الدراسة".
حلم معرض الكتاب
كحل بديل بجانب القراءة الإلكترونية، تتفق بسمة مع أصدقائها على تبادل الإصدارات الحديثة من الكتب لقراءتها، خاصة التي يصعب الحصول عليها في أسوان أو لا تتوفر لها شركات شحن: "معرض الكتاب، الذي يُعتبر فرصة لشراء الكتب الجديدة، يعد حدثًا بعيدًا جدًا، ولا أمتلك رفاهية السفر إليه سنويًا لشراء ما أحتاجه، ونتمنى إقامة معارض في المحافظات".
حلم زيارة معرض الكتاب هو حلم مشترك بين بسمة وإيمان مصطفى، تقطن في مدينة أسوان، لم تتح لها الفرصة بعد لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب، تقول: "كل عام أتابع أخبار المعرض عن بُعد، نظرًا لبعد المسافة عن القاهرة وظروف عملي التي لا تسمح لي بالحصول على إجازة طويلة تكفي للسفر والإقامة وشراء أحدث إصدارات دور النشر".
لذلك، قررت إيمان منذ خمس سنوات التحول إلى قراءة الكتب عبر الإنترنت، حيث أصبح من السهل الحصول على مجموعة متنوعة من الكتب بسرعة أكبر بكثير مقارنة بتلك المتوفرة في المكتبات التقليدية.
قلة الاهتمام بالمحافظة
يفسر محمود علي، صاحب صفحة "مكتبة النيل" لبيع الكتب "أونلاين" في أسوان، افتقار المدينة للإصدارات الحديثة من الكتب الورقية، بسبب بُعد المسافة بينها وبين القاهرة التي تعد المحافظة المركزية، مبينًا أن أسوان لا تمتلك دور نشر ولا يهتم الموزعين بدور النشر في القاهرة وغيرها من المحافظات بتوصيل الإصدارات لأسوان.
بدأ علي محمود نشاطه في بيع الكتب منذ أربع سنوات بتوزيع جزء من مكتبته الشخصية، ومع مرور الوقت، تطور نشاطه ليشمل توفير كتب حسب الطلب في مختلف المجالات، ورغم هذا التطور، يرى علي أن أسوان تعاني من نقص ثقافي ملحوظ، ونقص في الإصدارات الحديثة بالمكتبات العامة المحلية.
يقول لـ"عين الأسواني": "أسوان تعاني من نقص ثقافي كبير، ورغم ذلك، فإن التعامل مع محافظات الوجه البحري يشهد إقبالًا كبيرًا، ربما لأن تكلفة الشحن إلى أسوان مرتفعة مقارنةً بالمحافظات الأخرى، لكن أسوان تحتوي على كافة العوامل التي تجعلها قادرة على الاهتمام بالثقافة، إلا أن هناك تقصيرًا في هذا الجانب".
تزيد الرغبة لدى بسمة وإيمان ومحمد في زيارة معرض الكتاب للعام الحالي، بسبب نقص الإصدارات الحديثة من الكتب في المحافظة، وهو ما يعكس الحاجة المُلحة لتطوير البنية الثقافية في المحافظة، إذ يَجتمع الثلاثة في النهاية على مواقع قراءة الكتب الإلكترونية.