بضعة أيام سنويًا، يحصل فيها صناع ومحبو السينما بأسوان، على فرصة لمشاهدة إنتاج محلي وإقليمي ودولي من عروض الأفلام، بمهرجان أسوان لسينما المرأة، أما بقية أيام العام فيُغلق الباب الوحيد الذي سمح بفرصة لأبناء المدينة الجنوبية لتعلم مهارات صناعة السينما، حتى يتمكنوا بعد سنوات من التدريب تنفيذ مشاريعهم الخاصة حتى وإن بدأت بتجارب بسيطة تُعرض بين الأصدقاء والعائلة.
قبل عامين، انضمت منال المكارم إلى ورشة صناعة الفيلم بمهرجان أسوان، بجانب عملها كمعلمة في معهد فتيات أسوان الأزهري النموذجي، شغوفة بكتابة القصة، ومنها تعلمت كتابة السيناريو وإخراج الأفلام، لتنتج فيلمين، استطاع واحدًا منهما باسم "وردة" المشاركة فيما بعد في مهرجان الدار البيضاء في المغرب، ضمن بانوراما الفيلم العربي.
غياب عروض السينما
خصصت منال بعد انطلاق فعاليات المهرجان في دورته الثامنة التي أقيمت في أبريل الماضي بقاعات فندق توليب، جزء من وقتها لمشاهدة حلقات النقاش التي يشارك فيها صانعو الأفلام ضمن جدول المهرجان، والتي تمثل مادة دسمة في عالم السينما تغيب عادة باقي أيام العام.
تقول منال: "مشاهدة الأفلام ومناقشتها مع صناعها يساعد في تطوير مهاراتي، ويضيف لي، أحيانًا تكون المناقشة تطبيقًا على ما تعلمته في الورش التي بدأت الاتجاه إليها مثل السيناريو والتصوير".
تؤمن منال أن عملها في هذا المجال، يُكسبها عين مختلفة عن المتفرج العادي، وتقول بأسف "بخلاف المهرجان لا أجد مكان خلال باقي أشهر السنة يحقق تلك المساحة، عادة أشاهد الأفلام من خلال جهاز اللاب توب فقط، بدون مناقشة".
وفقًا للنشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لسنة 2021، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد دور العرض السينمائي في مصر 55 دور عرض، نصيب محافظة أسوان منها دور عرض واحدة، بعد تعرّض عدد من دور العرض إلى التهدّم أو الإغلاق مثل سينما "أبو شوك" وسينما "بد”.
السينما الوحيدة في أسوان هي مسرح وسينما الصداقة، التي أعيد افتتاحها عام 2021، بعد أعمال التطوير، ولا تعرض سوى الأفلام التجارية.
كان ذلك سببًا بعد أيام من انعقاد الدورة الثامنة لمهرجان أسوان في إبريل 2024، في أن يتداول بعض المستخدمين على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مبادرة لإنشاء نادي سينما بأسوان، بالتعاون مع مكتبة مصر العامة بأسوان، التي فتحت أبوابها في يناير 2024، لتقدم أنشطة ثقافية مختلفة، لكن خلال أيام توقف الحديث.
يوضح مصطفى عوض، مدير قسم النشاط الثقافي بالمكتبة، أنه كان من المقرر عقد ناد للسينما لعرض وتحليل الأفلام، بالإضافة إلى استضافة مخرجين، لكن إدارة المكتبة قررت تأجيل القرار دون تقديم أسباب.
وخلال شهر يونيو أعادت مكتبة مصر العامة بأسوان الإعلان عن نادي سينما بأسوان للمشتركين بها، تواصلت عين الأسواني مع المخرج محمود رمضان صاحب مبادرة "Movie Night" التي قدمت55 عرض لأفلام، قبل تجميد المبادرة بسبب جائحة كورونا في 2020.
عاد رمضان إلى استئناف النشاط بالتعاون مع مكتبة مصر العامة فى أسوان، مُوضحًا أن مبادرته كانت حول تقديم أفلام في أماكن تأجير قاعات بالساعة بمبلغ رمزي يتحمل تكلفتها كاملة أو بالنصف مع المكان، وخلال التجربة واجه تحديات مثل عدم وعي الأماكن التي كان يقدم بها الأفلام بالاهتمام الكافي بالأفلام، قائلًا "تواصلت مع إدارة المكتوبة لتنظيم نادي سينما وبدأ الموضوع بالترحيب وبسبب تضارب المواعيد تأجلت، حتى قدّمنا أول عروضنا في يونيو الجاري".
وعن الأفلام المختارة أوضح أنها تُجرى بالتعاون مع إدارة المكتبة، والأهم أن يتمحور الفيلم حول قضية يُمكن مناقشتها كتابة وإخراج "وأن يكون الفيلم له ارتباط بين شعب أسوان والمجال مفتوح لأفلام من جميع أنحاء العالم".
وأوضح محمود أن الخطة حاليًا لتقديم أفلام طويلة تجذب الجمهور العادي، بينما المستقلة يُمكن أن تكون محلّ اهتمام صانعي الأفلام، وهي خطوة مُستقبلية في خطة المبادرة.
محاولة جديدة
في 24 مايو الماضي، نظم نادي سينما "On Set" أولى فعالياته السينمائية، بعرض فيلم "الكيت كات"1991، للمخرج داود عبد السيد بساحة ملاذ للفنون.
بسام رؤوف، مخرج ومنتج، ومؤسس نادي سينما On Set قال لـ"عين الأسواني"، إن فكرة إنشاء النادي جاءت بهدف نشر الثقافة السينمائية، على فترات مستمرة، كان اليوم الأول مُثمر بحضور 45 محب للسينما، ناقشنا خلالها وجهات النظر المختلفة تجاه الفيلم بعد عرضه، وكل أدوات صانع الفيلم التي وظفها من أجل توصيل فكرته للجمهور.
أتاح بسام إمكانية الحضور مجانًا، رغم أن النادي قائم على الجهود الذاتية، قائلًا "نتحمل تكلفة العرض وتصميم اللوحات الدعائية و الإنفاق على الدعاية للنادي عبر مواقع التواصل الإجتماعي، اضع في الخطة مستقبلًا، تقديم عروض أفلام مستقلة، لكن في البداية أرغب في وضع الجمهور في مناخ السينما ثم مستقبلًا، إذا رغب مخرجين عرض أفلامهم لدينا مجانًا، فالنادي لا يمتلك ميزانية حاليًا".
لم يكن نادي سينما "On Set" التجربة الأولى لبسام، فقد سبقته محاولات غير مكتملة حسب وصفه، مُوضحًا أن إنشاء نادي سينما يحتاج لدعاية وجهة تتحمل الإنفاق عليه، لكن المؤسسات مثل دور الثقافة والمؤسسات الأهلية، لا تضع في خطتها أهمية نشر الثقافة السينمائية، مُتذكرًا ما حدث لنادي سينما قصر ثقافة أسوان قبل خمس سنوات، حينما توقف بعد أعمال تطويره المستمرة حتى اليوم، وأوضح بسام أن القائمين على النادي لم يستمروا في عرض الأفلام نظرًا لكونهم موظفون ليس لديهم الخلفية السينمائية أوحسن اختيار الأفلام، على حد تعبيره.
تحديات إقامة نادي سينما
ما بين روائي ووثائقي بدأ محمد محمود الدخول في عالم صناعة السينما منذ عام 2016، بين ورش مهرجان أسوان وورش لمبادرات سينمائية خلال مدة محددة داخل نطاق مدينة أسوان، مثل الجزويت ومؤسسة مصريين بلا حدود.
يرى محمود أن مشاهدة الأفلام لها أهمية قصوى خاصة لصانعي الأفلام؛ فهي وسيلة للتعرف على أفكار وأعمال صناع الأفلام الآخرين، وتوسيع للثقافة السينمائية؛ بالتعرف على أنماط ومدارس فنية سينمائية مختلفة، وتعتبر مشاهدة الأفلام خاصة لدارسي وصانعي الأفلام المبتدئين وسيلة جيدة للتعلم من ناحية الحرفة السينمائية، بالإضافة إلى أن تحليل ومناقشة الأفلام تزيد من وعي وتطوير الأفكار للبعض بالتشابك والتفاعل مع مشاهدة الأفلام وتفكيك عناصرها الفنية.
إيمانًا بضرورة مشاهدة ومناقشة جماعية للأفلام المستقلة، فكر محمود في إنشاء نادٍ للسينما في أسوان، لكن عدد من التحديات وقفت عائقًا أمام تنفيذ ذلك.
يوضح محمود "الموضوع صعب من حيث إيجاد المكان المناسب والتحضيرات المناسبة لإنشاء النادي، كنت أسعى أن يكون النادي غير ربحي، وبالتالي سيكون مكلفًا وهذه أكبر التحديات، وفي حالة تنظيم النادي في مكان تابع لقطاع حكومي مثل قصر ثقافة أسوان الذي كان يقدم عروض أفلام لمرات قليلة أو صروح ثقافية أخرى، سيتحكم في نوعية الأفلام المقدمة، وهو أمر مُنفّر، وقبل إعادة تطوير قصر ثقافة أسوان منذ خمس سنوات حاولت التواصل معهم، لكنهم لم يُرحبوا بالتعاون".
ويُفسر المخرج سيد عبد الخالق، مدير ورش مهرجان أسوان لـ"عين الأسواني"، أهمية وجود مكان ثابت لعرض ومناقشة الأفلام المستقلة، إذ يرى أنه أمر مهم لصانعي الأفلام لتغذيتهم بصريًا، لكن إدارة ذلك تحتاج إلى تنظيم ميزانية محددة، فالأمر يخضع لحقوق ملكية تتطلب في حالة نقل فيلم لعرضه أن يتولى إدارته شخص، فضلًا عن لوجستيات العملية وإدارة الجلسة، وفي حالة حضور صانع الفيلم من خارج المدينة يحتاج إلى ميزانية لانتقالاته، إلى جانب توفير مكان مناسب لعرض الفيلم.